شهدت سنة 2010 المحطة الأخيرة من حياة بعض الفنانين، الذين سخروا أعمارهم لخدمة الثقافة الجزائرية، تاركين وراءهم تراثا لا ينضب ومدارس مفتوحة للأجيال. سيدة الشاشة كلثوم ترحل في عزلة ودّعت السيدة كلثوم الحياة منتقلة إلى الرفيق الأعلى في 12نوفمبر الماضي، بعدما كانت قد ودعت الخشبة والأضواء منذ سنوات طويلة. علا صوت كلثوم في زمن كانت المرأة لا تجرؤ على رفع صوتها حتى داخل جدران المنزل. صدح صوت كلثوم بالحق معبرا عن المرأة الجزائرية والرجل معا، ومنددا بسياسة الإستعمار الفرنسي التي تبطش بكل ما هو جزائري، لتتوج هذا النضال بانضمامها إلى الثورة، وكاد ذلك أن يكلفها حياتها، بعدما وجه إليها أحد المظليين مسدسه مقررا قتلها، عاشت كلثوم الإستقلال مصرة أكثر على العطاء، الأمر الذي رسخ مكانتها عند الجمهور وراحت تصور في أدوارها خاصة مع المخرج لخضر حامينة مأساة شعب، فجر ثورة بهرت الإنسانية، وأكيد أن الإستعمار لن ينسى بصقتها عليه في فيلم ''ريح الأوراس''، عندما أدت دور أم جزائرية تبحث عن ابنها المعتقل، وهي اللقطة التي أقامت الدنيا وغيّرت القوانين السينمائية في مهرجان كان سنة .1967 مثلت الراحلة 70 مسرحية و60 فيلما ، ولم يكن الفن الهابط يوما سبيلها إلى درجة أن رفيقة دربها السيدة نورية قالت عنها أنها هربت ذات مرة كي لا تقدم مسرحية لم تقتنع بها، ولم تعجب الجمهور في عرضها الأول. العربي زكال يرحل في تألق رحل الفنان الجميل الهادئ العربي زكال عن عمر ناهز ال76 سنة، هذا الفنان الذي لم يكلّ من العطاء والعمل، ليترك وراءه مسيرة فنية حافلة بالأعمال القيمة سواء في المسرح أو السينما والتلفزيون. رحل زكّال وهو يحتفل مع زملائه والمخرج رشيد بوشارب بفيلم ''خارجون عن القانون''، والذي أدى فيه دوره الناجح ''الباشاغا''، إضافة إلى احتفاله بفيلم ''النخيل الجريح''. عاصر زكال عمالقة الفن الجزائري ابتداء من محي الدين بشطارزي، ليتألق نجمه بعد الإستقلال خاصة بالمسرح الوطني، حيث أدى ''إفريقيا قبل سنة'' و''القاعدة والاستثناء'' و''سلطان حائر'' و''المرأة المتمردة''، كما عمل مخرجا في العديد من المسرحيات، وشارك في روائع السينما الجزائرية منها ''وقائع سنين الجمر''، ''العفيون والعصا''، ''ريح الجنوب''، ''حسان طيرو''، ''من هوليوود إلى تمنراست''، ''شرف القبيلة'' ''معركة الجزائر'' وغيرها، شارك زكال أيضا في العديد من المسلسلات منها ''الوصية''. عاش الراحل متواضعا، قنوعا، سعيدا بالتكريمات التي حظي بها، والتي تعترف له بمسيرته الحافلة. شمعة جيلالي عمارنة تنطفئ يضاف الفقيد جيلالي عمارنة إلى قافلة المودعين للساحة الثقافية لعام ,2010 هذا الفنان المعروف بتضحياته من أجل إرساء فن جزائري متألق. عانى عمارنة من مرض طويل ألزمه الفراش وزاد من معاناته حالته الإجتماعية الصعبة التي أثرت عليه وعلى عائلته المتواضعة، وهو الفنان الذي كان قادرا على تحصيل الأموال الطائلة من فنه، لكنه عمل دوما للفن ومن أجل الفن. الفنان الجميل والحيوي رفع راية الجزائر دوما، وعبر العديد من دول العالم كالولايات المتحدة وكندا وأوروبا، وعرف بمقولته المشهورة ''لا يهمني المال بل ما يهمني أن أؤدي أغاني فقط''، ذلك أنه لم يكن يتقاض أجرا على أغانيه. جيلالي سيظل حاضرا مادامت أغانيه معنا يرددها الصغير والكبير. وداع على خشبة المسرح شاءت الأقدار أن يرحل عنا الفنان المسرحي توفيق ميميش في عز عطائه، وهو واقف على المسرح الجهوي مجوبي بعنابة عن عمر يناهز 54 سنة، متأثرا بذبحة صدرية أسقطته على خشبة المسرح، وهو يؤدي مسرحية ''حياة مؤجلة'' لجمال حمودة. هكذا وبعد نصف ساعة من العرض، تحوّل المشهد إلى بكاء أجهش به زميلاه في العرض الفنانة آمال حيمر وبشير، وسرعان ما انضم إليهما الجمهور. مشوار الفنان بدأ سنة 1982 بمسرح عنابة، وأنجز معه العديد من الأعمال منها ''اليد التي توصل''، ''في إطار للمجهول'' ، ''المحفور'' وغيرها. رحيل وريث المنمنمات بعد عمر ناهز87 سنة، سكن علي خوجة مقبرة سيدي عبد الرحمن بالقصبة، تاركا مسيرة حافلة بالنجاح بعيدا عن الأضواء التي لم يكن يميل إليها. محمد وعمر راسم هما خالا علي خوجة، استمد منهما حب الفن والمنمنمات، وسرعان ما سطع نجمه ليتحصل على أهم الجوائز منذ سنة ,1942 وتنتشر معارضه في شتى الدول. خلال 60 سنة من العطاء ساهم الرجل في التأسيس للفن التشكيلي بالجزائر، انتقل بسلاسة من عالم المنمنمات إلى الفن المعاصر، وعكست أعماله الغموض وشحنات إنسانية رقيقة ترحل بمن يشاهدها إلى عالم النور والضوء.