ستعرف العاصمة مستقبلاً أكبر عملية ترميم تمسّ كل الإطار المبني من دويرات ومنشآت بالقصبة العتيقة، حيث جندت الدولة كل الوسائل المالية والإدارية لتجسيد أكبر مشروع يخص تهيئة أهم وأكبر موقع تاريخي بالعاصمة، على أن يتم تعميم ذلك على مختلف القصبات بالولايات الأخرى. وأشارت مصادر مطلعة على مضمون المشروع، أن هذه العملية ستنعش قطاع شركات الإنجاز المتخصصة في تهيئة المعالم الأثرية والتاريخية، حيث ستستقطب مئات المقاولات ومنه توفير الآلاف من مناصب الشغل والأهم في ذلك هو إعادة ''روح القصبة وزمن الجزائر المحروسة''. كشف الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية بالجزائر، أنه شرع في استقبال ملفات العشرات من سكان القصبة العتيقة المتعلقة بطلب تسوية وضعية الدويرات التي يشغلونها منذ عقود، وتحديد مطالبهم بصفة دقيقة، حيث ذكر السيد محمد بن مدور مسؤول الاتصال ورئيس خلية الاستماع واستقبال ملفات الشاغلين في لقاء مع ''المساء'' أنه منذ أزيد من شهر تم استقبال قرابة ال 70 ملفا من طرف السكان، حيث تختلف مطالب هؤلاء بين قبولهم بالترحيل إلى مراكز عبور قصد ترميم سكناتهم وآخرين يعتزمون التنازل عن أملاكهم القديمة، مقابل الحصول على سكنات جديدة في مواقع أخرى بالعاصمة. وتعد هذه الخطوة الهامة نقطة تحوّل محورية في تسوية وضعية النسيج العمراني بهذا الموقع التاريخي الذي مر على بنائه أزيد من قرنين، كما يعكس هذا المشروع الضخم عزم الدولة- من خلال تكليف وزارة الثقافة- على حماية المواقع التاريخية المصنفة عالمياً ووطنياً وإعادة استغلال هذا الفضاء للترويج السياحي بالعاصمة، لاسيما بعد إعادة تحديد الأطر التنظيمية والتجارية بما يخدم التوجه الجديد ووضع حد لعمليات التهيئة السطحية أو المتقطعة المحتشمة، التي أبقت على الوضعية السائدة، بل زادتها تردياً. ويتضمن المشروع تعميم التهيئة على كل الإطار المبني بالقصبة من ''دويرات'' ومنشآت ويكون الشاغلون من خلال ذلك مخيَّرين بين أمرين: إما الاحتفاظ بممتلكاتهم قصد ترميمها مع الالتزام بقبول إسكانهم مؤقتاً بمراكز العبور، وإما التنازل عن مساكنهم ومتاجرهم للدولة مقابل الحصول على مساكن ومحلات جديدة بمواقع أخرى في العاصمة. ويقول مصدرنا أنه منذ انطلاق العملية بدأ الشاغلون يتقدمون من المصلحة المعنية التي تم إنشاؤها على مستوى ديوان تسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية بدار عزيزة وسط العاصمة وينتظر أن يتم بعد تحديد كافة الشاغلين وتصنيفهم وحجم المساكن التي يمكن للدولة استرجاعها ضبط عملية التسيير وطبيعة المتدخلين، وفي هذا الإطار سيتم تحديد عدد المساكن ''الدويرات'' والمتاجر التي يمكن للديوان التصرف فيها تخضع لشروط يتم تحديدها ضمن المشروع، وفق سياسة استغلال الموقع للترويج السياحي الهادف، على أن يتم منحه لمسيِّرين - في شكل تعاونيات شبانية، أو مستثمرين- يتم تكوينهم في ميدان المحافظة على التراث وكذا الفندقة والاستقبال، كما يتم منح المحلات المسترجعة إلى المهنيين ممن يحوزون شهادات وخبرات في ميدان الصناعات التقليدية التي تشكل ''روح القصبة الغائبة''، حيث ستوزع المهن على أحياء و''زنيقات'' مثلما كانت عليه خلال الفترة العثمانية، على غرار ''زنيقة النحاسين''، ''الفخارجية'' و ''الجلود''.... وتراهن وزارة الثقافة على إنجاح مشروع تهيئة قصبة العاصمة الذي سوف يكون ''عملية نموذجية'' يحتذى بها مستقبلاً في الحفاظ على القصبات الأخرى المنتشرة عبر الوطن، مثل قسنطينة، عنابة، وهران وتلمسان، وبهذه العملية يتم القضاء على المشكل وتستطيع الدولة من خلال ذلك استرجاع أملاكها التاريخية، لاسيما المصنفة عالمياً ووطنياً. وتشير مصادرنا إلى أن المشروع الذي عرض على المجلس الشعبي الولائي للعاصمة، تم عرضه على مجلس الحكومة لمناقشته والموافقة عليه، ويأتي هذا في الوقت الذي أعلن فيه الديوان عن إعادة إطلاق المخطط الاستعجالي لحماية النسيج العمراني التاريخي، ومنه المرور إلى مرحلة الترميم النهائية والاستغلال الأمثل للممتلكات بترميم النسيج العمراني بالقصبة العتيقة، والأهم في ذلك أن عملية الترميم ستنعش المئات من الشركات العاملة في ميدان ترميم السكنات وسيتم توفير الآلاف من مناصب الشغل خلال عملية الإنجاز وبعد استكمال التهيئة، لمدة لا تقل عن العشر سنوات، بما يساهم في امتصاص البطالة.