حاولت إسرائيل بطريقة مفضوحة التخلص من تبعات هجومها الدامي على أسطول الحرية أواخر شهر ماي الماضي في عرض المياه الدولية والذي خلف مقتل تسعة متضامنين أتراك بعد أن سعت إلى تبرئة نفسها من تلك المجزرة بدعوى شرعية تدخل قواتها ضد حقوقيين مسالمين وعزل كانوا بصدد إيصال مساعدات إنسانية إلى سكان قطاع غزة المحاصرين. وزعم التقرير الذي انتهت إليه لجنة التحقيق التي شكلتها حكومة الاحتلال تحت الضغط الخارجي أن ''الاعتداء على أسطول الحرية شرعي ويتوافق مع القانون الدولي''. وتناسى أعضاء هذه اللجنة التي يقودها القاضي يعقوب طيركال أن القانون الدولي يحمي السفن والبواخر التي يكون على متنها أناس مسالمون أو تحمل بضاعة لا تضر بالأمن والاستقرار في عرض المياه الدولية وهو ما لم تحترمه إسرائيل التي هاجمت سفينة مرمرة التركية رغم علمها المسبق أنه يوجد على متنها متضامنون إنسانيون وليس عناصر معادية لها. والمفارقة أن لجنة التحقيق الإسرائيلية التي تضم ملاحظين دوليين بنت نتائجها على قاعدة واهية، وهي أنها اعتبرت حتى الحصار البحري المفروض على قطاع غزة شرعي بحجة أن الحاجة الأمنية لإسرائيل تقتضي فرضه. ولكن لجنة التحقيق الإسرائيلية التي حاولت تلميع صورة حكومة الاحتلال لم تقدم أي خلاصة فيما يتعلق بقتل تسعة متضامنين على سفينة مرمرة التركية بحجة أنها لا تملك المعلومات الكافية. وهو عذر أقبح من ذنب لأن الشهادات التي أدلى بها المتضامنون الإنسانيون الذين شاركوا في أسطول الحرية والذين تعرضوا لقمع القوات الإسرائيلية أكبر دليل على أن إسرائيل خرقت كل القوانين وتعدت على كل الأعراف الدولية عندما هاجمت السفينة أمام مرأى ومسمع العالم أجمع. وهل كان يمكن للمجتمع الدولي أن ينتظر شيئا آخر من لجنة التحقيق الإسرائيلية غير هذه النتيجة والتي بيضت وجه الاحتلال من جريمة لا تزال كل المنظمات الحقوقية والإنسانية تطالب بضرورة تقديم مرتكبيها أمام القضاء الدولي لمعاقبتهم. وعلى نقيض التحقيق الإسرائيلي فضح تقرير لجنة التحقيق التركية مزاعم حكومة الاحتلال بعدما اتهم إسرائيل بالاستخدام المفرط للقوة مما تسبب في سقوط قتلى وجرحى من بين المتضامنين والذين كانوا في إطار القيام بمهمة إنسانية. وجاء في تقرير اللجنة التركية أن ''القوة التي استخدمت من أجل اعتراض سبيل أسطول الحرية تجاوزت كل الحدود''. وبنت لجنة التحقيق التركية تقريرها على شهادات حية قدمها عدد ممن كانوا على متن السفينة والذين أكدوا أن الجنود الإسرائيليين وبمجرد نزولهم على سطح السفينة أطلقوا النار على من كان فيها دون تمييز. ولا يستبعد أن تجعل حكومة الاحتلال من نتيجة هذا التحقيق ذريعة للتمادي في رفضها تقديم اعتذار رسمي كما تطالب بذلك السلطات التركية وتقديم تعويضات لأسر ضحايا تلك المجزرة. وهو ما تصر عليه أنقرة كشرط مسبق لعودة العلاقات الثنائية مع إسرائيل إلى سابق عهدها.