تطرقت الباحثة في علم التاريخ وأستاذة الفرنسية سيلفي شابرون في مداخلتها أول أمس بالمركز الثقافي الفرنسي لعدة نقاط تخص الأديبة والفيلسوفة سيمون دو بوفار، وفي مقدمتها مناهضتها للتعذيب الذي طال الجزائريين في عهد الاحتلال وكذا مناصرتها لقضايا نسوية تدخل في قائمة الطابوهات. وقالت سيلفي شابرون أن سيمون التي ولدت سنة 1908وتوفيت سنة 1986 بباريس، لم تتردد لحظة واحدة في مناصرة المجاهدة الجزائرية جميلة بوباشة حينما طلبت منها المحامية الفرنسية الشهيرة جيزال حليمي ذلك، حيث قادتا حملة إعلامية كبيرة لصالح بوباشة التي ألقى الجيش الفرنسي عليها القبض بتهمة وضع قنبلة في الجامعة الجزائرية وقام بتسليط أشد العذاب عليها. وأضافت سيلفي أن سيمون كتبت مقالا مهما في جريدة ''لوموند'' حول جميلة، ودفعت رفقة جيزال وأخريات، السلطات المختصة، إلى إعادة النظر في قضية جميلة، حيث تم نقلها إلى فرنسا بينما لم يتم محاكمة العسكر الذين قاموا بتعذيبها رغم التعرف على هويتهم من طرف السلطة القضائية. وتناولت الباحثة التزام سيمون بالقضايا النسوية وقالت في هذا السياق أن سيمون لم تكن تهتم بالمسائل التي تعنى بالمرأة إلى حين اتخاذها لقرار كتابة مؤلف حول نفسها، فبدأت عملية البحث في مجال المرأة باعتبار أنها تنتمي إلى الجنس اللطيف وحينها اكتشفت قضايا تخص وضعية المرأة في سنوات الأربعينات، فقررت أن تصدر كتابا تحت عنوان: ''الجنس الثاني''، والذي يقع في ألف صفحة من جزئين وتناولت فيه المرأة من النواحي النفسية والاجتماعية والأنثروبولوجية والتاريخية والجنسية والأدبية وغيرها. وأشارت المحاضرة إلى الضجة الكبيرة التي أحدثها صدور كتاب ''الجنس الثاني'' وهذا في الأوساط الأدبية والصحفية الفرنسية والعالمية، ''مستطردة قولها أن سيمون تناولت مواضيع جريئة كانت في قائمة المحظورات في تلك الفترة (سنوات الأربعينات)، فقد طالبت بحق المرأة في اخذ حبوب منع العمل وكذا في حقها في الإجهاض، كما تحدثت عن المثلية الجنسية المتعلقة بالإناث مؤكدة في السياق ذاته بأنها لا تدخل في الحالة المرضية بل أنها توجه جنسي لا غير. وفي هذا السياق،أثارت كتابات سيمون زلزالا عنيفا في فرنسا وصفته سيلفي ب''التكالب''وهذا سواء من الأطراف الأدبية اليمينية المحافظة أو حتى الأطراف اليسارية الاشتراكية التي وصفت كتاباتها بالخارجة عن الأخلاق والخليعة وبالخيانة للأدب الفرنسي وغيرها من الصفات الذميمة، بالمقابل عرف هذا الإصدار نجاحا كبيرا وسط القارئات اللواتي اعتبرنه موسوعة عن النساء. واعتبرت سيلفي أن الهجمة الشرسة التي تعرضت لها سيمون اثر إصدارها ''الجنس الثاني'' تعود أيضا إلى كونها لا تنتمي لا إلى الاتجاه اليميني الكاثوليكي ولا للاتجاه اليساري الاشتراكي، وهو نفس الأمر بالنسبة لصديقها وحبيبها جون بول سارتر، حيث اختارا أن يكونا على حدة وهو ما كان يظهر جليا في المجلة التي أسساها تحت عنوان ''لوتون مودارن'' (الزمن المعاصر). وأضافت سيلفي أن سيمون دو بوفار كانت من بين دعاة مبدأ الوجودية الذي يقر بأن وجود الإنسان يسبق جوهره، تاركا له حرية الاختيار أي أن الإنسان لا تحرّكه أي قوة خفية أو اله بل هو الذي يخطط لقدره، وفي هذا الصدد قالت سيمون في مقدمة الجزء الثاني من كتاب الجنس الثاني ''لا تولد المرأة وهي امرأة بل هي التي تختار أن تكون كذلك'' وأضافت ''ولكن المرأة عندنا لم تقرر أن تكون امرأة بل الرجل هو الذي اتخذ هذا القرار'' وقالت أيضا ''ارفض الزواج البرجوازي الذي يجبرنا على الزواج لأجل التقاليد فتصبح المرأة خاضعة لزوجها وأنا لا أرى أن هناك فرقا بين هذا النوع من الزواج والدعارة بحيث في كليهما المرأة مذلولة وخاضعة لقوة الرجل". ورغم تناول سيمون للمرأة في كتابها ''الجنس الثاني''، إلا أنها وحسب سيلفي، لم تنزل إلى الميدان للمطالبة بحقوق المرأة إلا في السبعينات مع ظهور الحركة التحررية النسوية بفرنسا وهذا بطلب من عضواتها، كما كانت دائما تناصر القضايا العادلة بحسبها فكان لها سمع كبير وتأثير اكبر في الساحة الأدبية والاجتماعية المحلية والأجنبية. للإشارة، ولدت سيمون دو بوفار في أحضان عائلة برجوازية يسيرة الحال، من والد محام وأم متمسكة بتعاليم الكاثوليكية، أحبت الدراسة والكتابة منذ طفولتها ووجدت فيها مخرجا بعد إفلاس والدها عند انتهاء الحرب العالمية الأولى، التقت بسارتر سنة ,1929 فكان الحبيب والصديق والأديب الفيلسوف الذي تتفق معه في الكثير من المواضيع حتى انه لم يكن يصدر أي مؤلف إلا بعد أن يستمع إلى نقدها الصائب، صدرت لها العديد من المؤلفات من بينها،أربع سير ذاتية متسلسلة، كما صدر لها بعد وفاتها مؤلفات تجمع رسائلها التي كانت تتبادلها مع بعض الأدباء.