تاريخ المقصلة في حاجة إلى توثيق عندنا، وكل ما يتعلق بهذه الأداة الجهنمية الرهيبة ينبغي أن يعرف معرفة تامة، لا لأن الاستعمار الفرنسي استخدمها فحسب، بل لأنها جزء من تاريخ الجهاد في الجزائر. يقولون اليوم في الديار الشمالية إن الوجود الفرنسي في بلادنا كان نعمة من النعم الحضارية. وينسون أو هم يتغافلون عن حقيقة الحقائق وهي أن الموت العنيف ما كان في يوم من الأيام ولا في أي صقع من أصقاع الأرض شيئا يعتد به الإنسان في حياته اليومية وفي تاريخه كله. في يوم 16 فبراير من عام 1843 انهالت شفرة المقصلة على قفا أول جزائري في ساحة باب الوادي، أي عند المخرج الغربي لمدينة الجزائر العاصمة التي كانت يومها مقصورة على حي القصبة وبعض البنايات في الجهة العلوية منها. وقعت التهمة على إنسان يقال له عبد الكريم، وقيل عنه يومها إنه ارتكب كذا وكذا من الجنح ونسي منفذو الحكم البشع أنهم وراء تلك الجنح، إذ أنهم دفعوا بالذي ألصقت به إلى أن يفتك قوت يومه وقوت عائلته. وتوالى وقع المقصلة على الرقاب منذ ذلك الحين إلى أواخر الثورة الجزائرية وفي أثناء ذلك كله برز اختصاصيون في قصف رؤوس البشر، بل وفاخروا وتباهوا بصنيعهم ذاك حتى إن حرفتهم تلك توارثها أبناؤهم وأحفادهم وصاروا أعلاما عليها. العربي بن مهيدي على سبيل المثال، لم تفتك به المقصلة في عام 1957 بل شنقوه شنقا. ولو أنهم لجأوا إلى المقصلة لتعين عليهم أن يظهروا رأسه المفصول عن جسده، ولانكشف أمرهم. لذلك قالوا إنه شنق نفسه بنفسه، وألقوا بتهمة القتل على هذا أو ذاك بعد ذلك. ما زلت أذكر ابن حينا علي العبدي ذلك الذي فصلت المقصلة رأسه عن جسده في جويلية من عام .1957 وما زلنا في حينا نردد بطولاته بين الحين والآخر. كيف حكم عليه بالإعدام مع ثلاثة من رفاقه، وكيف نجا رفاقه من الموت بينما سار هو إلى المقصلة ذات فجر ساخن، وكيف ردد أهل القصبة قولة الله أكبر على جري عادتهم كلما عرفوا أن بطلا من الأبطال في طريقه إلى المقصلة. الله أكبر كان سلاحهم وسلاح السجناء وغيرهم من الذين ينتظرون تنفيذ الحكم بالإعدام. وكان من طبيعة السجناء أن يرفعوا أصواتهم بالتكبير في قلب الليل إذا ما أحسوا بأن الجلاد دخل هذه الزنزانة أو تلك لإخراج هذا أو ذاك. وما زلت أتحسس رقبتي كلما قرأت شيئا عن المقصلة وعن أكاذيبهم الحضارية التي ما عادت تخدع أحدا في ديارنا هذه ولا في الأصقاع الأخرى التي ابتليت بالبلية الاستعمارية الفرنسية.