لا يزال سكان برج الكيفان ينتظرون نصيبهم من التنمية بالعديد من الأحياء منذ سنوات، خاصة بالنسبة لبعض الأحياء التي تفتقر للتهيئة والمرافق الضرورية، فرغم أن برج الكيفان (فور دو لو) مدينة ساحلية مبنية على طراز المدن الحديثة، تعرف بتلك الفيلات الفخمة، وشارع عريض وسطها يعبرها من الشرق إلى الغرب، وساحة مربعة تنطلق منها طرقات صغيرة حتى البحر، إلا أن تلك المناظر الجميلة التي تستهوي الكثير من الزوار، تخفي وراءها الكثير من المشاكل والمعاناة، بسبب قلة المشاريع المنجزة وتأخرها كثيرا وبقاء أغلبيتها مجرد حبر على ورق. الزائر لأحياء بلدية برج الكيفان، الواقعة شرق العاصمة، سيتمتع دون شك بذلك المنظر الطبيعي الخلاب، المستمد من الشريط الساحلي والبرج التركي الذي يعتبر موقعاً تاريخياً وأثريا هاما، وتلك الفيلات القديمة والجميلة المتراصة على طول الطريق الرئيسي، والمطاعم المتواجدة بشارع علي خوجة المعروف أيضا ببيع المثلجات خاصة في فصل الصيف، إلا أن تطور النسيج العمراني الذي تميزه العشوائية في العديد من الأحياء، والاختفاء التدريجي للمساحات الشاسعة ذات الطابع الفلاحي وانعدام التهيئة، سرق من هذه المدينة السياحية بريقها وجاذبيتها، خاصة في ظل عجز السلطات المحلية على مواكبة هذا التطور العمراني الكثيف واستدراك التأخر في إنجاز المشاريع المختلفة لتقريب المرافق ذات الطابع الاجتماعي، والرياضي، والثقافي والترفيهي من المواطن وتهيئة الأحياء بالطرق، والغاز، وقنوات الصرف الصحي والإنارة العمومية المنعدمة بالعديد من الأحياء الجديدة والقديمة، مثلما وقفت عليه ''المساء'' في جولة ميدانية تزامنت مع تهاطل كثيف للأمطار مؤخراً، التي كشفت عن معاناة حقيقية بسبب الأوحال وبرك المياه التي غمرت أغلبية الأحياء خاصة الأحياء الشعبية التي تفتقر لأدنى المواصفات اللائقة، حيث بدت كأنها تقع في إحدى القرى النائية وليس ببلدية برج الكيفان، التي لا تبعد عن وسط العاصمة إلا بسبعة عشر كيلومتراً. أحياء خارج مجال التغطية التنموية وبالرغم من وجود العديد من الجمعيات التي تجتهد للمساهمة في تحسين الوضع في البلدية التي تحتل موقعاً جغرافياً متميزاً، غير أن قدرتها على تغيير الأوضاع تظل محدودة، بسبب تهميشها من قبل السلطات المحلية ورفضها التعامل معها، واستبدالها - حسب رئيس الفدرالية الوطنية للحركة الجمعوية الجزائرية -التي يقع مقرها ببرج الكيفان بما وصفه ب ''جمعيات وهمية تخدم مصالح خاصة''، الأمر الذي حال دون نقل انشغالات المواطنين، الذين يطالبون بإنجاز المشاريع والتخفيف من معاناتهم وتسهيل عملية الاستقبال، للتعرف على المشاكل الحقيقية التي أصبحت تؤرقهم. واستغل البعض فرصة تواجد''المساء'' ببرج الكيفان للحديث عن أوضاعهم، على غرار سكان حي علي صادق 1 الذي امتزج نسيجه العمراني ليشمل فيلات ومباني غير مكتملة وعدداً كبيراً من البنايات الفوضوية، إذ لا يكاد يصدق المرء الفوضى العارمة والإهمال الذي تشهده هذه الجهة، فلا يمكن لزائر هذا الحي تحمّل الروائح الكريهة المنبعثة بسبب غياب التوصيل بقنوات الصرف الصحي بشارعين كاملين، كما يعد الدخول الى الحي بالسيارات أمراً جد صعب، بسبب عدم تهيئة الطرق التي غمرتها المياه والأوحال وحولتها الى مستنقعات. قصدير وادي الحميز ينتظر الحل وما زاد الطينة بلة، هو البنايات الفوضوية التي شيدت بمحاذاة الحي على حافة وادي الحميز، حيث تنعدم أدنى شروط الحياة، فضلا عن المخاطر اليومية التي تحدق بالسكان، خاصة الأطفال الذين يسلكون ممراً ضيقاً يقع فوق الوادي، للالتحاق بمدرسة حي فايزي، مما يضطرهم الى الانقطاع عن الدراسة كلما تساقطت الأمطار بغزارة، وفاض الوادي، مثلما أكده لنا أطفال ببراءتهم المعهودة، مشيرين الى أن رحلة الذهاب والإياب أربع مرات في اليوم وسط مخاطر الوادي وانعدام الطريق أرهقتهم كثيرا، بسبب غياب مطعم بمدرستهم الواقعة بحي شعبي، فأغلبية المتمدرسين بها من العائلات الفقيرة. تركنا حي علي صادق 1 الذي رافقنا إليه أحد سكانه واتجهنا الى حي فايزي القريب منه، فكانت الصورة مماثلة، حيث يضم هذا الحي الشعبي عمارات قديمة تشققت جدرانها، وغير مجهزة بالغاز الطبيعي، مما جعل العائلات تعيش وضعاً جد صعب، رغم الشكاوى العديدة التي وجهتها إلى كل رؤساء البلديات المتعاقبين، الذين اكتفوا حسب أحد السكان بتوزيع ''الوعود الوفاء''، في الوقت الذي تتضاعف فيه المعاناة خلال فصل الشتاء، الذي يتدهور فيه المحيط البيئي بسبب انتشار النفايات بالحي، الذي تحوّل إلى شبه مفرغة للنفايات، التي يرمي بها الباعة الفوضويون بسبب تهاون السلطات المحلية في توفير سوق منظمة، حيث لاحظنا في مختلف الأحياء انتشار باعة الخضر والفواكه، بسبب غياب فرص العمل، خاصة أن شباب برج الكيفان لم يتم توظيفهم في مشروع الترامواي الذي يعبر مدينتهم، وكذا في بعض الشركات المنتجة، مثلما يؤكدون، كما أن تأخر إنجاز مشروع مائة محل أصبح هاجسهم، حيث لم يحظ هذا الأخير بالاهتمام وبقي مهملاً بحي فايزي، بعدما أوكلت مهمة إنجازه لأحد الخواص. من جهتهم لم يتوانَ سكان حي الضفة الخضراء في الحديث عن مشاكلهم التي طال حلها، منها مشكل السكن والبنايات الهشة المتضررة من زلزال 2003 واهتراء الطرق التي يصعب السير بها، بسبب الحفر والتشققات التي تملؤها، حيث لم يتم تزفيتها رغم أنها أصبحت غير قابلة للاستغلال، فضلا عن مشكل انسداد قنوات الصرف الصحي، وغياب سوق جوارية، حيث يضطر السكان إلى التنقل إلى وسط البلدية لاقتناء احتياجاتهم، وعلى رأسها الخضر والفواكه، أو الاعتماد على الباعة المتجولين، في انتظار استجابة السلطات لمطالبهم التي لا تزال مطروحة لسنوات طويلة، منها أيضاً تخصيص فضاءات للأطفال وإعادة فتح المساحتين الخضراوين المغلقتين لحد الآن. ولا تقل وضعية أحياء درقانة، بن زرقة، الباخرة المحطمة، الدوم، موحوس وسعيدي أحمد سوءاً بسبب التهميش الذي طالها، حيث لم نصدق ما لاحظناه خلال جولتنا الميدانية لحي سعيدي أحمد، رغم أنه يقع في منطقة راقية ولا يبعد كثيراً عن وسط المدينة، فمشكل تدهور شبكة الطرقات لا يزال يطرح لأكثر من 20سنة في أغلبية جهات الحي الذي وجدناه يوم زيارته مملوءاً ببرك ماء كبيرة بحيرات يستحيل المرور عبره، بسبب تأخر تهيئة الطرق وتزفيتها، حيث أكد أحد القاطنين به ل''المساء''أن الجهة التي يقطن بها تم تزفيتها بعد15سنة من المعاناة وبعد إلحاح كبير من المواطنين. مشاريع سياحية متوقفة إلى إشعار آخر.. ويرجع بعض السكان العارفين بخبايا هذه المدينة، وكذا ممثلي المجتمع المدني، تأخر التنمية ببرج الكيفان الى غياب سياسة جوارية محلية وسوء استغلال الإمكانيات المادية والطبيعية التي تتمتع بها البلدية، حيث بإمكان الموقع الجغرافي المتميز أن يجعل منها مدينة متميزة ونموذجا يحتذى به في التنمية، خاصة أنها تملك شواطئ هامة لكنها مهملة وغير مهيأة، على غرار الشواطئ العائلية الثلاثة المقابلة للمدرسة الوطنية للفنون الدرامية، التي بإمكانها جلب مداخيل هامة واستغلالها موسميا لتوظيف الشباب العاطل عن العمل، كما يمكن تجسيد مشاريع سياحية من قبل بعض الخواص الذين أبدوا رغبة في إقامتها بشاطئ اسطنبول، غير أنها لم تتحقق بسبب العراقيل، لتبقى متوقفة رغم أن المستثمرين أودعوا ملفاتهم لدى الوكالة الوطنية لتطوير السياحة، غير أن المشروع -حسب احد المستثمرين - فشل بسبب عدم متابعة السلطات المحلية للمشاريع، على غرار مشروع النقل البحري الذي كان مبرمجاً قبل أن يتوقف هو الآخر، رغم أهميته في إنعاش السياحة وتقليص البطالة التي أرهقت الشباب، الذين اشتكى بعضهم أيضا سوء الاستقبال وعدم الاستماع لانشغالاتهم، باستثناء المحظوظين من ''أصحاب الوساطة'' الذين حولوا البلدية الى ملكية خاصة على حد تعبير بعض ممن التقتهم ''المساء''. الحالة المدنية، مصلحة أشبه بسوق.. وما يثير الانتباه تلك الفوضى التي تميز مصلحة الحالة المدنية، التي يخيل لزائرها أنه في سوق شعبي وليس في مصلحة لاستخراج الوثائق بسبب التواجد المكثف للمواطنين والطوابير الطويلة المشكلة هناك، خاصة على مستوى مكتب استخراج شهادة الإقامة التي تحولت الى هاجس بالنسبة لطالبها، بسبب قلة الشبابيك وعدم تماشيها مع تزايد عدد السكان، حيث يضطر المواطن الى قضاء ساعات طويلة للحصول على شهادة الإقامة التي يعدها عون واحد رغم الطلب الكبير عليها. ولا يقل الوضع سوءاً بمقر البريد المتواجد وسط المدينة، الذي أصبح لا يستوعب العدد المتزايد للزبائن الذين يضطرون الى الانتظار طويلا بهذا المبنى الضيق والهش الذي كان مقرراً تعويضه بمقر جديد بعد أن خصصت البلدية في الثمانينات قطعة أرض لإنجازه، غير أن المشروع لم يتحقق وبقيت المساحة مهملة لحد الآن، مثلما هو الأمر بالنسبة لمشروع إنجاز قاعة متعددة الرياضات بالتجزئة المعروفة ب ''ألزينا'' الواقع وبالقرب من خزان المياه، حيث رهن مشكل النزاع عن العقار الذي لا يزال قائماً لحد الآن، التنمية بهذه البلدية الغنية بإمكانياتها والفقيرة من حيث مشاريعها، مثلما هو الأمر بالنسبة للأراضي الفلاحية التي استفاد منها حوالي 400 مستفيد ب ''ألزينا''1 و2 و''وازان أ'' و''ب'' منذ جويلية ,1997 غير أن مشكلها لازال عالقا لحد الآن وأن العدالة أثبتت أحقية هؤلاء المواطنين في الأراضي بعدما رفعوا القضية أمامها، حيث يطالب هؤلاء بحل عاجل للمشكل من قبل السلطات المحلية للسماح لهم باستغلال قطع الأراضي التي استفادوا منها بقرارات ووثائق إدارية. النفايات هاجس المواطنين وحسب بعض السكان فإن المشاكل التنموية التي تعاني منها بلديتهم تعود الى غياب التناسق والانسجام داخل المجلس الحالي، الذي لم يستغل الإمكانيات السياحية لتجسيد مشاريع للشباب، وحتى السوق الموجود على مستوى الحصن التركي، بعيدة عن عدة أحياء وينعدم فيه الأمن، فضلاً عن الأسعار المرتفعة، مما أدى بسكان برج الكيفان الى التنقل نحو باب الزوار والحراش لاقتناء مستلزماتهم اليومية، خاصة في غياب أسواق جوارية، التي يطالبون بتجسيدها لتخفيف معاناة تنقلهم من أجل التسوق، كما تراجع حسبهم الجانب الرياضي والثقافي نتيجة غياب المرافق، فالقاعة متعددة الرياضات الكائنة بوسط المدينة تفتقر لبرنامج خاص لتنشيطها، كما تم غلق قاعة الحفلات رغم ما يمكن أن توفره من مداخيل. ومن بين المشاكل التي تتقاسمها أغلبية الأحياء، مشكل النفايات، حيث تكاد برج الكيفان تتحول -حسب أحد السكان - الى مفرغة عمومية بسبب النفايات التي تغزو تلك التجمعات لعدم وجود أماكن مخصصة لرميها، وما زاد من قلق القاطنين هو تقاعس السلطات المعنية في أخذ مطالبهم بعين الاعتبار رغم النداءات المتكررة، إذ يأمل هؤلاء في تحقيق التنمية ببلديتهم وتجسيد ولو جزءا من الوعود التي أطلقوها خلال حملتهم الانتخابية، خاصة أن العهدة الحالية لم يتبق منها الوقت الكثير، حيث ينتظر هؤلاء حلاً لمختلف المشاكل التي تعيق التنمية، بعدما أصبح خط النقل الترامواي الذي يمر وسط مدينتهم جاهزاً، حيث سيودع زوار برج الكيفان وسكانها قريباً مشكل اختناق حركة المرور، كما سيساهم هذا المشروع في تقليص البطالة، وإنعاش السياحة، ولم يعد مصدر إزعاج، بقدر ما هو مكسب هام لهذه المدينة وغيرها من المدن التي يعبرها. كما تبقى طلبات السكن التي تجاوزت 3000 ملف، تنتظر الاستجابة خاصة أنها تراكمت بسبب عدم استفادة البلدية من أي مشروع سكني منذ بداية العهدة، بسبب نفاد الأراضي الصالحة للبناء، التي تم توزيعها في وقت سابق على الخواص، حيث تحولت البلدية آنذاك على حد تعبير أحد المواطنين إلى ''وكالة عقارية لبيع الأراضي'' وذلك قبل صدور قرار التجميد. وللرد على انشغالات المواطنين وأسباب تأخر التنمية ببرج الكيفان تنقلت ''المساء'' إلى مقر البلدية للحصول على توضيحات ،غير أننا لم نتمكن من ذلك بسبب الغياب المتكرر للمسؤول الأول على البلدية.