تصاعدت حدة الانتقادات الدولية للعملية العسكرية القائمة ضد ليبيا بتفويض من مجلس الأمن الدولي بعدما حذّرت عديد العواصم الدولية من خطر خروج هذه العملية عن إطارها المحدد لها في ظل سقوط أولى ضحايا قصف قوات التحالف من المدنيين الليبيين. وأعابت العديد من الدول ما وصفته بالغموض الذي اكتنف قرار مجلس الأمن الدولي بفرض منطقة حظر جوي على ليبيا، حيث ندّد رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتن بالقرار الذي اعتبره بأنه ''دعوة للحروب الصليبية'' في ليبيا. وقال بوتن إنه ''من الواضح أن القرار يسمح للكل بالتدخل ضد دولة ذات سيادة. وهذا ذكرنا بالدعوات التي كانت تطلق خلال القرون الوسطى بشن الحروب الصليبية بدعوى تحرير هذا المكان أو ذاك''. وكان قسطنطين كوساتشوف رئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الدوما الروسي قد ندّد بما وصفه باستغلال دول التحالف الغربي التي تشن عملية عسكرية في ليبيا منذ يوم السبت، غموض قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 بشكل أساسي لإسقاط نظام العقيد معمر القذافي. وكانت موسكو من بين الدول التي عارضت بشدة التوجه نحو الخيار العسكري لحسم الأمر في ليبيا لكنها لم تستخدم حقها في النقض خلال جلسة التصويت على القرار 1973 داخل المجلس الأمن. الموقف نفسه أعربت عنه عدة دول غربية، فبينما حذّر وزير الخارجية الاسترالي كيفن رود من أن تحرك قوات التحالف الدولي العسكري ضد نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا ''قد يستغرق وقتا طويلا''. ندد رئيس الوزراء البلجيكي بواكو بوريسوف مما وصفه ب''المغامرة'' المبررة بمصالح نفطية. وحتى وزير الخارجية الإيطالي فرونكو فراتيني الذي أعلنت بلاده مشاركتها في العملية العسكرية ضد ليبيا أكد انه لا يجب أن تتحول هذه العملية إلى حرب ضد هذا البلد. وأضاف انه يجب مراقبة ما إذا كانت الضربات العسكرية الأولى تتماشى ومضمون اللائحة الأممية. وبينما عبّر وزير الخارجية الإيطالي عن رغبته في أن يتولى الحلف الأطلسي مهمة الإشراف على هذه العملية العسكرية عارضت كل من فرنسا وتركيا هذا الطرح مخافة أن يؤدي ذلك إلى تأليب الرأي العام العربي. ورغم الاختلافات في مواقف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي فإن ذلك لم يمنع هذا الأخير من تبني عقوبات مشددة ضد نظام العقيد معمر القذافي في مسعى إلى تضييق الخناق من حوله وإرغامه على ترك مقاليد السلطة. وبمقابل الموقف الأوروبي عارض وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أي ضربة عسكرية تستهدف العقيد معمر القذافى وقال أنه ''يجب على قوات التحالف احترام قرار مجلس الأمن الذي سمح باستخدام القوة لحماية المدنيين في ليبيا''. وأدانت إيران الضربات العسكرية على ليبيا داعية كافة الدول التي تواجه حركات شعبيه إلى ''توخي الحذر واليقظة''. وأشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمانبرست إلى أن الدول الغربية تتدخل دائما في بلدان العالم بشعارات ''مضللة مثل تقديم الدعم للشعوب لكنها في الحقيقة تعمل للهيمنة على تلك البلدان وذلك لتحقيق مآربها وأنها تقوم بإنشاء قواعد عسكرية فيها في خطوة لاستعمارها وتكريس هيمنتها''. وكان الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز ندّد بالغارات الجوية التي شنتها القوى الغربية على ليبيا وأودت بحياة العشرات من المدنيين ووصفها بهجمات عشوائية. من جانبه انتقد الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى قصف الائتلاف الدولي للمدنيين في ليبيا. وقال أن ''ما حدث في ليبيا يختلف عن الهدف من فرض الحظر الجوي وما نريده هو حماية المدنيين وليس قصف مدنيين إضافيين''، كما أكد أن ''وقاية المدنيين قد لا يحتاج إلى عمليات عسكرية''. وأشار عمرو موسى إلى أن الجامعة العربية طلبت منذ البداية بفرض منطقة حظر لحماية المدنيين الليبيين ولتجنب أية تطورات أو إجراءات إضافية. وتظاهر أمس العشرات من الليبيين أمام مقر الجامعة العربية بالعاصمة القاهرة احتجاجا على العمليات العسكرية التي تستهدف بلادهم. وتزامنت هذه المظاهرات مع زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لمصر ولقائه مع الأمين العام للجامعة العربية. وبالتزامن مع هذه الانتقادات الدولية لا تزال العاصمة الليبية طرابلس تتعرض لقصف من طائرات قوات التحالف الأمريكي الفرنسي البريطاني منذ ليلة الأحد إلى الإثنين، حيث سمعت أصوات انفجارات وطلقات المدفعية المضادة للطائرات في أرجاء المدينة. وكانت طرابلس ومدن ليبية أخرى منها زوارة ومصراتة وبنغازي قد تعرّضت لقصف مماثل لليوم الثاني على التوالي، فيما أعلنت ليبيا التزامها بقرار وقف إطلاق النار رقم .1973 وقد تم أمس بالعاصمة طرابلس تشييع ضحايا القصف الذين بلغ عددهم حوالي 150 بين مدني وعسكري سقطوا في المواقع التي طالها القصف الجوى والصاروخي من البحر.