لا تتوقف عمليات الكر والفر بين القوات الموالية للعقيد الليبي معمر القذافي والمعارضة المسلحة، فبينما تزحف الأولى لبعض الوقت باتجاه الشرق تعود الثانية مدعومة بالغطاء الجوي الذي توفره لها طائرات حلف الناتو لتعيد فرض سيطرتها على مدن باتجاه الغرب. وتبقى المعارك بين الجانبين تدور في منطقة ما يعرف بالهلال النفطي بين مدن البريقة والعقيلة وراس لانوف شرقا وصولا إلى مشارف مدينة سرت بوابة الغرب ومسقط رأس الزعيم الليبي وسط سقوط المزيد من الضحايا بين مدنين وعسكريين. وأعلنت المعارضة المسلحة أمس، أن قواتها تمكنت من إعادة فرض سيطرتها على أجزاء كبيرة من مدينة البريقة 800 كلم شرق العاصمة طرابلس وذلك بعد ثلاثة أيام من المعارك الطاحنة التي بدا أثرها واضحا على طول الطريق المؤدي إلى البريقة الجديدة وهي قرية صغيرة تقع شرق المدينة، حيث لوحظت جثت سبعة محاربين يرتدون الزي العسكري للقوات النظامية ملقاة على الأرض كما شوهدت عشرات العربات العسكرية من نوع راجمات الصواريخ محترقة. ونقلت تقارير إعلامية وجود حفرة بعرض خمسة أمتار وعمق مترين أعطت الانطباع أن عربات عسكرية تابعة للقوات النظامية من النوع الخفيف تكون قد تعرضت إلى ضربة جوية على الأقل من قبل الطيران الحربي لحلف الناتو الذي استلم قيادة العمليات العسكرية في ليبيا منذ الخميس الماضي. وأعلنت مصادر طبية أن ثمانية أفراد من عائلتين مختلفتين لقوا مصرعهم اثر هذه المواجهات بجنوب المدينة. وإذا كانت البريقة سقطت مجددا بين أيدي المتمردين فإن جبهة أخرى للقتال العنيف اندلعت بمدينة مصراتة الواقعة 200 كلم شرق العاصمة طرابلس والذي خلف سقوط ما لا يقل عن 28 شخصا خلال ثلاثة أيام. غير أن طائرات قوات التحالف التي تشكل غطاء جويا للمعارضة المسلحة تسببت أمس، في مقتل تسعة متمردين وأربعة مدنيين عند شنها غارة جوية بالقرب من الموقع النفطي بالبريقة. وقال عيسى إسماعيل مسؤول سياسي بمدينة اجدابيا مكلف بالعلاقات مع المتمردين أن طائرة للتحالف قصفت عن طريق الخطأ قافلة تتكون من خمس او ست عربات عسكرية من بينها سيارة إسعاف بعد أن أقدم أحد المتمردين على إطلاق النار في الهواء. وكان حلف شمال الأطلسي أعلن أول أمس، عن قيام طائراته ب178 طلعة جوية على ليبيا منذ بدء الحملة العسكرية ضدها وفقا لمقررات الأممالمتحدة. وأضاف أن هناك 17 سفينة تحت قيادة الحلف تقوم بدوريات في البحر الأبيض المتوسط، حيث أوقفت حتى الآن سفينتين لتحديد وجهتهما والسؤال عن حمولتهما. وكان مسؤول في البنتاغون الأمريكي أكد أن الجيش الأمريكي بدأ في سحب طائراته الحربية وصواريخه من مسرح المواجهة بدءا من نهاية الأسبوع بعدما قالت واشنطن أنها تريد أن تحصر دورها في تقديم الدعم للحلف الأطلسي في تنفيذ عملياته العسكرية في ليبيا. بالتزامن مع ذلك أعلنت السويد أنها أرسلت ثماني طائرات حربية من نوع ''جاس غريبن'' للمشاركة في العملية العسكرية التي يشنها الناتو حاليا. وتتواصل عمليات الكر والفر في الوقت الذي رفضت فيه طرابلس الشروط التي وضعتها المعارضة المسلحة من أجل وقف إطلاق النار ومن ضمنها السماح للمتظاهرين المعارضين في المدن الغربية بالتعبير بكل حرية عن آرائهم وانسحاب القوات النظامية من المدن التي تسيطر عليها. ويتزامن ذلك مع تصاعد الجدل حول مسألة تسليح المتمردين، حيث وصف وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتينى تسليح المتمردين الليبيين ب''الإجراء المتطرف'' ولكن روما ستقبل به إذا كان ''الخيار الوحيد'' لحماية المدنيين. وكانت الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا أعلنت أنها لا تستبعد هذه الفرضية في حين أبدى حلف شمال الأطلسي رفضه القاطع لها. ومع تصاعد الجدل على الساحة الدولية حول هذه المسألة أبرمت المعارضة اتفاقا مع قطر لتقوم ببيع النفط الخام من المناطق التي تسيطر عليها مقابل حصولها على المواد الغذائية والأدوية والوقود. وقال علي الطرحوني مكلف بالنفط والمالية في المجلس الوطني الانتقالي إن ''حكومة قطر وافقت على بيع النفط الخام الذي نزودها به مقابل الحصول على مساعدات إنسانية''. للإشارة فإن قطر تعتبر من بين الدول العربية الأولى التي اعترفت رسميا بالمجلس الوطني الانتقالي الذي شكلته المعارضة الليبية كممثل شرعي للشعب الليبي. كما أنها شاركت في العملية العسكرية التي شرعت فيها قوات التحالف الدولي منذ 19 مارس الماضي تطبيقا للقرار الأممي رقم 1973 القاضي بفرض منطقة حظر جوي على ليبيا. يأتي ذلك في الوقت الذي تتواصل فيه الجهود الدولية من أجل إيجاد تسوية للأزمة المتفاقمة في ليبيا. حيث أجرى المبعوث الخاص للأمين العام الأممي إلى ليبيا عبد الله خطيب محادثات مع ممثل الحكومة الليبية الوزير الأول بغدادي محمودي ومع رئيس المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي مصطفى عبد الجليل.