كثفت الدبلوماسية الأمريكية في المدة الأخيرة من تحركاتها بمنطقة الشرق الأوسط في محاولة لانقاذ المؤتمر الدولي للسلام من فشل أكيد بسبب العراقيل التي ماانفكت إدارة الاحتلال الإسرائيلي تفتعلها في كل مرة لإجهاض كل محاولة ترمي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة· وشرعت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس أمس في جولة الى المنطقة، ليست الأولى ولايبدو أنها ستكون الأخيرة ضمن المساعي الأمريكية لعقد مؤتمر السلام الذي كان من المنتظر أن ينظم خلال هذا الشهر وتقرر تأجيل موعده الى نهاية السنة بسبب بقاء هوة الخلاف قائمة بين الاسرائيليين والفلسطينيين حول القضايا الجوهرية· ويكون ذلك هو الذي جعل رئيسة الدبلوماسية الأمريكية تبدي تشاؤمها المسبق من امكانية نجاح زيارتها الثامنة الى المنطقة منذ بداية العام الجاري والثانية خلال أسبوعين· واستبقت رايس لقاءاتها بالمسؤولين الاسرائيليين والفلسطينيين بالقول أنها لاتتوقع التوصل الى اتفاق حول الوثيقة المشتركة التي لاتزال قيد التفاوض بين الطرفين· وشكل مضمون هذه الوثيقة نقطة خلاف حادة بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني، ففي الوقت الذي يريدها هذا الأخير قاعدة حقيقية لتحريك عملية السلام المجمدة منذ سنوات من خلال تطرقها الى قضايا الوضع النهائي يبقى الطرف الاسرائيلي متمسكا بمواقفه المتصلبة بدعوى أن الوقت لم يحن بعد لدراسة هذه المسائل الجوهرية ودعوته الى الاكتفاء باصدار بيان عام فقط· وهو ماجعل وزيرة الخارجية الأمريكية تعترف بصعوبة المحادثات وقالت أنها مفاوضات معقدة وستتواصل لوقت معين· وأضافت أنها سترى إن كانت تستطيع القيام بشيء لمساعدة الطرفين في إحراز تقدم· ولكن السؤال المطروح هو ما الذي يمكن أن تقدمه رايس لحمل الاسرائيليين على إبداء ليونة في مواقفهم وهي التي اصطدمت في أول لقاء لها أمس بوزيرة الخارجية الاسرائيلية تزيبي ليفني بمطالب أمنية إسرائيلية ملحة· وهي مطالب أكدت بشأنها ليفني أنها شرط رئيسي في تفعيل أي محادثات سلام ويجب أن تأتي أولا وقبل إقامة الدولة الفلسطينية· وقالت ليفني أن مايهم إسرائيل هو الأمن أولا ثم التوجه نحو إقامة دولة فلسطينية لأنه لا أحد يريد قيام ماأسمته ب "دولة إرهابية" في المنطقة· وأضافت ليفني التي تقود الوفد الاسرائيلي المفاوض أنه "حتى وإن توجب علينا ايجاد أرضية توافق مع المسؤولين الفلسطينيين البرغماتيين، في إشارة الى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فيجب على هؤلاء أن يتفهموا أن تطبيق أي اتفاقيات مستقبلية لن يتم إلا في إطار مراحل خطة خارطة الطريق"· هذه الخطة التي تطلب من الفلسطينيين في مرحلتها الأولى ضرورة نبذ العنف ووضع حد لعمليات المقاومة من جهة وتجميد إدارة الاحتلال كل نشاطاتها الاستيطانية من جهة أخرى· وأمام تصلب الموقف الاسرائيلي يعاد طرح التساؤل في كل مرة حول جدوى زيارة رايس إلى المنطقة وهي التي باءت كل جولاتها السابقة بالفشل حيث لم تتمكن من تقريب وجهات النظر بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني· وأكثر من ذلك فإن رايس كانت دائما تنحاز الى الطرح الاسرائيلي· ولقاءاتها مع المسؤولين الفلسطينيين الذي تصفهم ليفني بالبرغماتيين تندرج في حقيقة الأمر ضمن مساعي الإدارة الأمريكية على حث هؤلاء على تقديم تنازلات إضافية قد تتعدى الخطوط الحمراء التي وضعتها السلطة الفلسطينية كما لايجب تجاوزه مقابل حضور أشغال المؤتمر الدولي للسلام· وتلتقي رايس اليوم بمدينة رام الله بالضفة الغربية الرئيس محمود عباس ووزيره الأول سلام فياض في إطار نفس المساعي· بمقابل ذلك يتصادم التحضير لعقد المؤتمر الدولي للسلام مع مواصلة قوات الاحتلال لاعتداءاتها ضد الشعب الفلسطيني لاسيما في قطاع غزة· هذا الأخير الذي يعيش على وقع حصار مشدد منذ إعلانه شهر سبتمبر الماضي كيانا معاديا لاسرائيل· وكثفت قوات الاحتلال من عملياتها العسكرية ضد القطاع حيث قصفت أمس شمال غزة ما أسفر عن استشهاد خمسة فلسطينيين· وأمام هذا التصعيد العسكري، قال نبيل أبوردينة الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية أمس أن التصعيد الاسرائيلي في قطاع غزة يهدف إلى إفشال زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس ومساعيها لتقريب وجهات النظر والدفع بعملية السلام· وأضاف أبوردينة أن جريمة قتل اسرائيل لخمسة مواطنين بينهم أب ونجله تفصح عن الموقف الحقيقي لحكومة الاحتلال التي تستخدم لغة القوة وارتكاب المزيد من أعمال القتل والاغتيال· ودعا وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس الى العمل على وقف الاغتيالات ضد الفلسطينيين وجميع إجراءات الحصار والعقوبات الجماعية لإنقاذ مؤتمر السلام من الغرق في دائرة العنف والعدوان·