بدأت الإدارة الأمريكية وأجهزة مخابراتها يسيران مرحلة ما بعد مقتل بن لادن من خلال تسريبات أرادتها أن تكون ''قطرة بقطرة'' تفاديا للوقوع في أية أخطاء قد تعكر عليها أجواء ابتهاجها بهذا النصر الكبير بمقتل من وصف بالعدو الأول للغرب. وعادت وسائل الإعلام الأمريكية أمس لنشر ما رأت وكالة ''سي. أي. إي'' ضرورة الكشف عنه حول دقائق تنفيذ عملية ''جيرونيمو'' الاسم السري الذي اختارته المخابرات الأمريكية للقضاء على بن لادن . و''جيرونيمو'' هو اسم لثائر من الهنود الحمر ضد احتلال السكان البيض لأمريكا طيلة عشر سنوات كاملة انتقاما لإقدامهم على إبادة عائلته والاستيلاء على أراضي قبليته سنة 1856 في ولاية نيو مكسيكو الحالية. وأكدت تسريبات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن الرئيس باراك اوباما الذي تابع تطورات العملية بلحظاتها وبكثير من الترقب تلفظ صباح الجمعة الماضي بثلاث كلمات باتجاه ليون بانيتا مدير وكالة ''سي. أي. أي'' الذي كان يتابع العملية أيضا في مكتب جانبي في البيت الأبيض رفقة هيلاري كلينتون ''يمكنكم البدء في التنفيذ''. وكانت هذه العبارة بمثابة ضوء أخضر لفريق كوموندو القوات الأمريكية الخاصة للشروع في مهمة اقتحام الفيلا التي اتخذها أسامة بن لادن مخبأ له من ملاحقة الأجهزة الأمنية لكل دول العالم وعلى رأسها الأمريكية والباكستانية. وأكدت التسريبات التي وافقت المخابرات الأمريكية على نشرها أن عملية ليلة الأحد إلى الإثنين جاءت كثمرة لعملية تعقب لمخبرين كانوا على علاقة وطيدة مع تنظيم القاعدة والذين خضعوا لجلسات تعذيب قاسية في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش. وأكدت مصادر إعلامية أمريكية أن عملاء باكستانيين عملوا لصالح وكالة ''سي. أي. إي'' هم الذين دلوا منذ شهر جويلية من العام الماضي على مراسل بن لادن في مدينة بيشاور على الحدود الأفغانية والتي شكلت معقلا رئيسيا لكل المجاهدين ضد التواجد السوفياتي ثم الأمريكي في أفغانستان. وسمحت ملاحقة هذا المراسل من طرف جواسيس أمريكيين من الوصول إلى الإقامة الفاخرة التي لجأ إليها بن لادن وهو ما دفع بالمخابرات الأمريكية إلى وضعها تحت المراقبة وسمح للمخبرين أن يتأكدوا أنها تخفي عنصرا مهما في هذا التنظيم دون أن يتأكدوا أن الأمر يتعلق ببن لادن نفسه بسبب الحيطة والإجراءات الأمنية المتخذة بالنسبة لكل داخل أو خارج منها خاصة وأن الفيلا لم تكن مزودة لا بالهاتف ولا بالانترنيت وحرص قاطنوها على حرق بقايا القمامة المنزلية بداخلها. ولكن الشبهة التي أحاطت بمراسل بن لادن كانت الفيلا التي يقطنها رفقة شقيقه والتي قدرت قيمتها بمليون دولار وهو لا يملك أي دخل يقتات منه وهو ما زاد من درجة مراقبته اللصيقة إلى غاية التأكد أن زعيما كبيرا يقطنها وتم التعرف على هويته أنه أسامة بن لادن المطلوب الأول في العالم. وتأكد ذلك عندما بعث قائد مجموعة تنفيذ العملية أن ''العدو جيرونيمو قتل في الهجوم''. وكان الرئيس باراك اوباما يتابع تطوراتها إلى غاية يوم الخميس 28 أفريل الجاري عندما استدعى فريق عمل مصغر إلى اجتماع أحيط بسرية تامة وأخطرهم أنه أعطى موافقته على الأخذ بخيار القيام بعملية محدودة دون علم السلطات الباكستانية من أجل تفادي فشلها أو التسبب في مقتل مدنيين أو الدخول في مواجهة مع قوات الأمن الباكستانية. وبمجرد ما أخبره ليون بانيتا أن العملية نجحت استعاد الرئيس اوباما ملامح وجهه المعهودة بعد ساعات من القلق والحيرة التي طبعت أيضا وجه هيلاري كلينتون التي كانت رفقته في مكتبه لمتابعة تطورات العملية.