هو الشعر حين يرتدي بردة السماء فلا يمكّنك من رؤية وجهه إلا على مرآة بحر، هكذا تصّعد الكلمات فيرتشفها الفضاء ليعيدها قصيدا بحريا يبحث عن ساحله، ربما نورس افتقد خط رجعته، فتسلق خيط وهم ليعبر المحيط من حوله، أجراسه تطير بك حيث يستوطن البحر مأساته وينزوي، أساطيره تحتوي الحلم، تبني أوطانها على ضلعة المستحيل وتأتي لتسلِّم قصائدها للسكن، هكذا جاب بنا سواحل الشعر والأطوان الشاعر علي ملاحي في ديوانه »البحر يقرأ حالته«. لم يسبق لي وقرأت شعر الدكتور علي ملاحي، بل لم يسبق أن سمعت له شعرا، وكانت المفاجأة حين اطلعت على قصائده التي تعود كما قال إلى ثمانينات القرن الماضي، كان اللقاء ذات مساء بالجاحظية، وهو يقدم موسوعته الموسومة »هكذا تكلم الطاهر وطار«، حيث رافق تقديم الموسوعة قراءة سريعة لديوانين هما: »العزف الغريب« و»البحر يقرأ حالته« من قبل الأستاذ سمير نزلي، حيث أوضح أن الديوانين ثورة على الواقع يطرح فيهما الشاعر العديد من الأسئلة علّها تنبثق منهما الإيجابة، ويرى الأستاذ سمير نزلي أن الشاعر لم يترك سجيته تتدفق عن عفويتها، بل وضع لها العديد من الفرامل، ثورة على الواقع قصائده طرح من خلالها أسئلة وبقي يبحث لها عن إيجابات لم يجدها. كما رأى مقدم ديوان ''البحر يقرأ حالته'' أن الشاعر كان ثائرا، غير أنه غيّر لون معشوقته إلى البحر، حسب المشاهد واللوحات، فقصائده تستثمر الأسطورة والرمز التاريخي والديني واقتباسات قرآنية، كما اعتمد الموسيقى الدائرية لقصائده، موسيقى داخلية تمكن القراءة بدون عناء، وبجرس موسيقي قوي. حين تمتطي أخْيِلة الشعر وتفتح مدائن الإستفهامات، لتدك حصون الأسئلة العاتية التي تجاوزت بعنفوانها قوة الصخر والبحر، وانتصبت عارية تبحث عن كساء لعله يستر ما افتضح من إغراءاتها. البحر يقرأ حالته : ''أحاول أن أختفي في المقادير: كان الذي بيننا دفترا عائليا ورسما جميلا، وكان الوطن. ساعة من ذهب، كابد الناس أقدارهم وتجلّوا بلا لحية للزمان، ولم يفرحوا .. ساعة.. بالهديل، ولم يحزنوا بغتة... إنما كابدوا ملء أذقانهم محنة وانحنوا للدعاء...'' ويأتي البجر الغامض شخصية للقصيدة وبطلا لكلماتها ''ويا ويحه البحر من يقتنيه؟ وياويحه البحر، .. البحر في راحتي.. البحر ساعتها.. ويازرقة البحر لم نقترف سببا لإختزال المحبة.. وهازرقة البحر لم تتناثر.. ولم يسقط البحر.. ويابابل ليته البحر كان نبيا.. ولم يكن البحر مثلي سعيدا.. بهذا الوطن.. ولم يملك البحر حالته فاستوى غاضبا.. وشقيا'' هكذا هو البحر يصغر وينفتح وينكسر ويتمرد ويثور. البحر هو الشاعر ذاته، هو انكساره على الواقع ارتطامه بشاطئه، بل اجتياحه لكل ما ينعكس له أو فيه. وأنت تقرأ لعلي ملاحي تجد نفسك في عوالم مبهرة بالثورة، مسكونة بالتمرد، تمضي بك بعيدا كقصيدته »الإستنشاق« التي يقول في مطلعها: '' يازعتر البال إنّ الروح أفجعها طيف توحّد بالأشجان وانهارا أفاق وسط لهيب الجرح منكسرا فلم يجد لغمام الودّ إقرارا أصغى إلى وتر الأشواق مبتسما وظل يغرس بين الناس أشعارا إلى أن يقول في البيت الأخير: ''ستكتم الشوق في الأنفاس معترفا أن الهوى في زمان الجورقد جارا'' الديوان يحتوي على خمس قصائد هي: البحر يقرأ حالته، البلابل تعتصر العنب، إلى الشهيدة لالا فاطمة »بلا وطن هل نعيش؟« الإعتراف، الإستنشاق، أرخ الشاعر، لقصيدتين إلى الشهيدة لا لا فاطمة - بلا وطن هل نعيش 1984 وهران، والإستنشاق في نفس السنة وبنفس المدينة، المجموعة من القطع المتوسط تتوزع على 114 صفحة - من إنجاز الجاحظية.