أكدت حكومة الاحتلال في موقف مفاجئ أنها مستعدة للشروع في مفاوضات مع السلطة الفلسطينية على أساس فكرة إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود حرب جوان 1967 كما تنص على ذلك خطة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لتجسيد حل الدولتين. وأكدت مصادر إسرائيلية أن حكومة الاحتلال قبلت بمثل هذا الخيار شريطة أن تتوقف السلطة الفلسطينية عن كل تحركاتها من أجل الذهاب إلى الأممالمتحدة وأن يتم البدء قبل ذلك في تحديد إطار يسمح باستئناف مفاوضات السلام. ويبدو أن الحكومة الإسرائيلية اقتنعت شهرا قبل انعقاد الجمعية العامة الأممية أن السلطة الفلسطينية مصرة على التوجه إلى الأممالمتحدة وهو ما جعلها تتحرك من أجل إفشال الخطة الفلسطينية التي ستضع إسرائيل والولايات المتحدة في قفص الاتهام برفض التوصل إلى تسوية نهائية بل والعمل على عرقلة مسار سلام شرع في تنفيذه قبل عقدين ولكنه بقي يراوح مكانه إن لم نقل إنه سجل تراجعا غير مبرر. وسوء النية لدى الحكومة الإسرائيلية قائم عندما ندرك أن قرارها جاء أيضا من أجل إفشال اجتماع حاسم اليوم وغدا للجامعة العربية بمدينة جدة السعودية لوضع آخر اللمسات على الخطة العربية لطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية عبر الأممالمتحدة. وعندما نأخذ السياق الذي جاء فيه الكشف عن الموقف الإسرائيلي ندرك أن إسرائيل إنما أرادت أن تنتهج سياسة تسويف جديدة إلى ما بعد انعقاد الجمعية العامة الأممية من خلال خلط أوراق السلطة الفلسطينية وقتل خطة توجهها إلى الأممالمتحدة في مهدها. وهو الأمر الذي جعل صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين يطالب الوزير الأول الإسرائيلي بالإعلان لكل العالم ومختلف وسائل الإعلام وبشكل رسمي موافقته على إرادته في التوصل إلى اتفاق على حدود 1967 ووقف فوري وشامل لكل البناءات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية بما فيها القدسالمحتلة. وأضاف في حال رفض نتانياهو مثل هذين الشرطين فإن مثل هذه التصريحات تبقى مجرد استمرار لسياسة إسرائيلية تؤكد أن نتانياهو يجيدها ببراعة كلما تعلق الأمر بالقفز على حقائق مسار سلام ولد من أجل أن تكون نتيجته النهائية الفشل. وإذا سلمنا أن إسرائيل تريد العودة إلى مفاوضات مسار السلام المتعثر منذ سبتمبر من العام الماضي فإن ذلك لن يعدو أن يكون مجرد خطة إسرائيلية لربح مزيد من الوقت وحتى تتمكن من تكريس سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين. ولم يكن قرارها أول أمس ببناء أكثر من ثمانية آلاف وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية ومدينة القدس إلا أكبر دليل على تمسكها بمواقفها الرافضة لكل فكرة لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وتأكد ذلك بداية الشهر الماضي عندما فشلت اللجنة الرباعية في التوصل إلى اتفاق بخصوص مسألة وقف الاستيطان وإرغام الحكومة الإسرائيلية على تنفيذ التزاماتها الدولية في هذا المجال. كما أن إعلان نتانياهو قبل أسابيع أمام نواب الكونغرس الأمريكي بضم القدسالشرقية إلى الغربية والتأكيد على أنها جزء لا يتجزأ من عاصمة إسرائيل الأبدية وسط تصفيقات حارة من النواب الأمريكيين ندرك حقيقة التلاعب الإسرائيلي وافتقادها لأدنى إرادة من أجل تكريس مبدأ الدولتين بتواطؤ مفضوح من إدارة أمريكية لا تبذل أي جهد من أجل إرغام حكومة الاحتلال القبول بهذا المبدأ. وهي حقائق لا يجب أن تجعل الجانب الفلسطيني يقع في الفخ الإسرائيلي الذي يسعى جاهدا إلى إفشال خيار التوجه إلى الأممالمتحدة الذي يبقى آخر بديل لإسماع الصوت الفلسطيني.