لم يتمكن المجلس الوطني الانتقالي المعارض في ليبيا من المحافظة على تجانس أعضائه ووصل به الأمر إلى حد إقالة هيئته التنفيذية ستة أشهر منذ تشكيله كسلطة موازية لسلطة النظام الليبي في طرابلس. وأقدم رئيس المجلس مصطفى عبد الجليل، أمس، على إقالة كل أعضاء المكتب التنفيذي الذي يعد بمثابة حكومة مؤقتة للمعارضة الليبية المسلحة في مؤشر على وجود خلافات حادة تكون قد نشبت بين أعضائه حول المقاربة التي يتعين انتهاجها في ظل استمرار المواجهات العسكرية وغياب أي مؤشر بإمكانية إنهاء القبضة مع قوات النظام الليبي في طرابلس. وبرر مصطفى عبد الجليل الذي عين في بداية الانفلات الأمني كرئيس للمجلس الانتقالي هذه الإقالة الجماعية بدعوى ''تسجيل ارتكاب أخطاء إدارية في المدة الأخيرة''. وهو مبرر لم يقنع أحدا إذا سلمنا أن ارتكاب أخطاء إدارية لا يستدعي إقالة فريق ''حكومي'' بكامل أعضائه على اعتبار أن إجراء بمثل هذه الأهمية يعد ضربة قوية لصورة المجلس الانتقالي ولكل المعارضة ويقلل من قدرته على مواصلة قيادة معارضة مسلحة لم تكن تتوقع أن تلقى ذلك الرد القوي من نظام العقيد معمر القذافي وزرع الشك حول قدرة مقاتليها على حسم الأمور عسكريا مع كتائب القذافي رغم الدعم القوي الذي يلقونه من حلف الناتو. والواقع أن إقالة هيئة بمثل المكتب التنفيذي في معارضة لم يمر على تأسيسها نصف عام يؤكد أن الخلافات أعمق من مجرد أخطاء ولا يمكن إخراجها عن سياق الأحداث الأخيرة وعلى رأسها عملية الاغتيال التي أودت بحياة الجنرال عبد الفتاح يونس قائد قوات المعارضة والذي كان ينظر إليه على انه مهندس العمليات العسكرية في مختلف المدن الليبية ضد الكتائب الموالية للعقيد معمر القذافي. وهو السبب الذي جعل مصطفى عبد الجليل يلمح من حيث لا يدري إلى أن إبعاد ''طاقمه الحكومي'' جاء على خلفية تصفية الجنرال عبد الفتاح يونس الذراع الأيمن السابق للرئيس الليبي قبل أن ينقلب عليه وهو ما جعله يطالب أعضاء الحكومة القادمة بكشف ملابسات عملية الاغتيال هذه. ويؤكد هذا التوضيح أن المجلس الانتقالي يكون قد أيقن أن من اغتال عبد الفتاح يونس أطراف فاعلة في داخل المعارضة لحسابات تبقى غامضة وأن كانت تأكيدات قد أشارت إلى مخاوف متزايدة في قمة المجلس من طموحات يونس ورغبته في الاستحواذ على اتخاذ القرار داخل المعارضة المسلحة الليبية. ومهما كانت دواعي عملية الاغتيال والواقفين وراءها فإن تصفية عبد الفتاح كشفت حقيقة التركيبة غير المتجانسة لأعضاء المعارضة والتيارات التي تداخلت مصالحها من أجل الإطاحة بنظام العقيد القذافي ولكنها سوف لن تلبث أن تثور ضد بعضها البعض ضمن الصراع على من يتولى السلطة في طرابلس. والمؤكد أن دول حلف ''الناتو'' التي تورطت في الحرب على ليبيا سوف لن تتأخر في مراجعة حساباتها ودرجة ثقتها في معارضة كشفت عن ضعفها بل أن شكوك ''الاطلسي'' بدأت تحوم حول ما إذا كان المجلس الانتقالي مجرد تجميع لفصائل إسلامية متشددة استغلت تطورات الأوضاع في ليبيا من اجل الظهور وما مصطفى عبد الجليل إلا مجرد عراب لها حتى وإن كان يرتدي البذلة وربطة العنق ولا يستبعد أن تتم التضحية به في أول فرصة تتاح لها بعد أن يكون قد أدى الدور الذي أنيط به.