كانت قعدات البوقالات في السنوات الماضية تزين سهرات العاصميين وسكان المناطق المجاورة كالبليدة وتيبازة، وبومرداس ''قصبة دلس''، حيث كانت عبارة عن لعبة تسلية خاصة بالنساء أين تجتمعن في بيت واحد على مائدة مملوءة بمختلف أنواع الحلوى التقليدية التي تعود أصولها إلى العهد التركي كالمحنشة، الصامصة، القطايف، المقروط، قلب اللوز، الزلابية مع الشاي والقهوة لتبادل أطراف الحديث ليأتي موعد قراءة البوقالات أو الفال، أين يؤخذ إناء مملوء بالماء وتضع فيه كل واحدة منهن خاتمها وتمسك شابتان الإناء بواسطة السبابة اليمنى واليسرى، وبعد أن يعقد الجميع تقرأ البوقالة، وتغمض إحداهن عينيها لتخرج خاتما من الماء وتكون بذلك البوقالة المقروءة فال صاحبة الخاتم وقد يأتي الخاتم ونوعية البوقالة بالفال الجميل لصاحبة البوقالة أو للشخص الذي نُويت له البوقالة. وتعتبر ''البوقالات'' من العادات المتوارثة التي تكاد تختفي من سهرات العاصميين مع مرور السنين في الوقت الذي كانت تزين فيه جلسات النساء والفتيات طيلة سهرات شهر رمضان في حلقات يرددن فيها مختلف الأمثال الشعبية الموزونة التي تحمل معها ''الفال'' الذي عادة ما يرتبط ب''فارس الأحلام''، لاسيما وأن هذه القعدات ارتبطت بزمن جميل في دويرات القصبة العتيقة وبعض المنازل التي رفضت التخلي عن هذا الموروث الذي كان في السنوات الماضية المتنفس الوحيد للفتيات العازبات للترويح عن النفس في قعدات شيقة تجمعهن مع الجيران في الوقت الذي تحولت فيه حاليا معظم السهرات بمختلف الولاياتالجزائرية إلى سهرات شعبية تقام ما بعد الإفطار، أو حتى النشاط الديني، نظرا لطابع بعض المناطق على غرار تفضيل أعداد كبيرة من النساء غسل الأطباق والصحون على وجه السرعة قبل التوجه إلى متابعة حلقات المسلسلات الفكاهية، المسلسلات العربية التاريخية أو الدراما الاجتماعية بعد أن كانت البوقالات اللعبة الأكثر تسلية وشهرة في السنوات الماضية. البوقالات فأل خير لمقدم فارس الأحلام للعازبات كل سهرة من رمضان، كانت أغلب الفتيات العازبات تسارعن لاستكمال كل أشغال البيت ما بعد الإفطار وإعداد سينية الشاي الأخضر بالنعناع، وتحضير الأجواء المناسبة لهذه اللعبة رغبة منهن في التأمل في الأبيات الشعرية الملقاة بالدارجة والعامية الجزائرية التي تتلى على مسامعهن من قبل العجائز، إلا أن هذه العادات تلاشت وأصبح تسجل على مستوى بعض المنازل فقط بالأحياء القديمة للقصبة بعد أن سحبت القنوات التلفزيونية شرائح كبيرة من المجتمع. ليست هذه اللعبة التراثية سوى أشعار شعبية جزائرية موروثة من التاريخ القديم للجزائر العاصمة، تشاع في الأوساط العائلية النسوية، وغالبا ما يكون فحواها تمنيات للحبيب غير المعروف أو للعاشق أو الخطيب. عقد أطراف الثوب وتمني البوقالة للمحبوب ولعل أهم ما يميز هذه اللعبة هو ضرورة أن تعقد النساء الحاضرات في لعبة البوقالة جزء من الثوب أو منديلا يكون في أيديهن، وهذا ما يسمى ب''الفال''، ومعناه أن تعقد المرأة النية داخل قلبها بالتفكير في شخص معين سواء كان زوجا، ابنا، أخا بعيدا، أما أو أحدا من الأحباب بل حتى في الأعداء، بمحاولة إسقاط معنى أبيات البوقالة الموجهة لها، على الاسم الذي نوته، مع الرجاء أن يتم ذلك حقا. ومن أساسيات ''البوقالة'' أن لا تنال المرأة حظها من الأبيات الشعرية إلا بعدما تمسك بجزء من خمارها أو أي قطعة قماش أمامها وتصنع منها عقدة صغيرة مرة واحدة قبل أن تفتح هذه العقدة بعد الاستماع إلى البوقالة والكشف -إن أرادت- عن اسم الشخص الذي نوت عليه الفال. البوقالة موروث قديم في طريق الزوال وبدأت لعبة البوقالة تأخذ طريقها إلى الزوال سنة بعد أخرى منذ نهاية الستينات قبل أن يعاد لها بعض الاعتبار في السنوات الخمس الأخيرة، خاصة بعد تحسن الوضع الأمني بالجزائر، إذ عادت بعض الأوساط العائلية في الجزائر العاصمة، خاصة في أحيائها الشعبية بالقصبة وباب الوادي وباب عزون وبلكور لتهتم ثانية بهذه اللعبة لكن بتجريدها -للأسف- من بعض الجزئيات التي تصنع خصوصيتها، إذ جردت بعض العائلات، التي بقيت تتمسك نوعا ما بالبوقالات، من الإناء الفخاري ومن بعض الشكليات ولم يحتفظوا إلاّ بتلاوة الأشعار التي تحفظها النساء والفتيات عن ظهر القلب. وفي هذا الصدد تقول الحاجة ''عائشة'' إحدى القاطنات بالعاصمة ''ياحسراه على ''البوقالات''، كانت القعدات الرمضانية في دويرات القصبة لا تنسى فالعازبات تجتمع مع مثيلاتهن وكنا نحن النساء ربات البيوت نقوم بإلقاء البوقالات والفتيات تنوين الفأل، لكن للأسف فقدنا كل تلك القعدات التي كانت ضمن الزمن الجميل فمن بقي بالقصبة نسيها ومن تم ترحيله منها تركها وراءه''، مضيفة بكل حسرة ''في الوقت الحالي، النساء يتهافتن على المسلسلات الفكاهية، وحتى التاريخية لذا فبدخول التلفاز ومختلف الوسائل الحديثة ذهبت البوقالات مع من ماتوا بالأحياء العتيقة للعاصمة''. وتبقى البوقالة التي سعى الكثير من الباحثين إلى تهذيب لغتها والارتقاء بها من الدارجة والعامية إلى العربية السهلة، كما سعوا إلى تنقيتها من الأبيات التي تتضمن دعاء موجها للأولياء الصالحين الناجم عن جهل العوام، حيث يكون لها معنى مستقيم لا يخدش الشعور التوحيدي القاطع الذي يقوم عليه الإسلام، وتبقى جزءا هاما من تراث شفوي جزائري في طريقه للزوال لولا محاولات بعض المختصين في جمع البوقالات في شكل كتبيات تحفظ البعض القليل من الموروث الشفوي الشعبي الجزائري بعد أن اختفت القعدات الخاصة بإلقاء البوقالات.