يبدو أن حسم ما أصبح يعرف ب''معركة طرابلس'' لن يكون بالسهولة التي تمكنت بواسطتها المعارضة الليبية المسلحة تحقيق زحفها على العاصمة الليبية بعد أن تضاربت الأولويات في هذه الحرب التي كشفت عن غموض في أفقها واستحالة حسمها في أقرب الاجال. وكانت الضربة القوية التي وجهها سيف الإسلام نجل العقيد الليبي إلى معارضيه بخروجه إلى شوارع العاصمة طرابلس في رسالة تكذيب لمزاعم باعتقاله في انتظار محاكمته اكبر صفعة بسيكولوجية في سياق صيرورة الحرب في هذا البلد ولكنها ضربة جاءت لتؤكد على درجة الغموض التي تسود الوضع العام وعكست حقيقة درجة التنسيق في أعلى هرم المجلس الانتقالي. ولأن الخطأ فادح فإن أيا من مسؤولي المعارضة المسلحة الليبية تمكن من تقديم مبررات الوقوع في هفوة بهذه الخطورة على صورة المجلس ومعنويات المقاتلين وخاصة وأن المعركة لم تنته وما يخفيه الغد سيكون أكثر جسامة مما تم تحقيقه إلى حد الآن. وحرص مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي لدى استقباله وزير الخارجية التركي دواود اوغلو في مدينة بنغازي أمس على عدم الخوض في المسألة وفضل التهرب من الرد على الأسئلة التي طرحت عليه بإلحاح من طرف عشرات الصحافيين الأجانب الذين نسوا انتصارات المقاتلين وركزوا على صور سيف الإسلام القذافي وهو يتجول في شوارع العاصمة طرابلس. ليس ذلك فقط فقد جاءت تصريحات مسؤولي الحلف الأطلسي الذي كان فضله كبيرا على وصول مقاتلي المجلس الانتقالي إلى طرابلس أمس لتزيد من درجة ضبابية الأهداف التي يعتزم الناتو تحقيقها في حربه على النظام الليبي بعد أن أكد أن العقيد القذافي ليس هدفا في حد ذاته في معركة طرابلس. وهو ما يعكس درجة التناقض في أهداف دول الحلف في ليبيا مع أن اللائحة 1973 التي أصدرها مجلس الأمن الدولي بضغط فرنسي بريطاني أمريكي كانت نصت على حماية المدنيين الليبيين ولكن الهدف النهائي من ورائها كان الإطاحة بالنظام الليبي والذي يشكل العقيد معمر القذافي رمزه الأول والأخير. وهو ما يدفع إلى التساؤل حول خلفيات القول أن العقيد الليبي لم يعد هدفا قائما يجب الوصول إليه؟ وهو استفسار يفرض نفسه اذا سلمنا أن النظام في ليبيا هو القذافي والقذافي هو النظام وفصلهما يبقى عملية يائسة بسبب درجة الترابط بينهما. ثم إن القول بأن العقيد الليبي لا يشكل هدفا في المعركة فما الدافع إلى تواصل الاقتتال في محيط مجمع باب العزيزية التي يعتقد أن القذافي الأب تحصن في إحدى زواياه رفقة عائلته وأقرب المقربين منه بعد أن استشعر خطر زحف القوات المناوئة لنظامه على آخر معاقله في العاصمة طرابلس؟ هو تبرير لا يجد اية مصداقية إذا علمنا أيضا أن القذافي لم يعد هدف المقاتلين والناتو فقط بل هو هدف محكمة الجنايات الدولية التي يصر المدعي العام فيها الأرجنتيني لويس مورينو اوكامبو على اعتقاله ونقله حيا إلى لاهاي لمثوله أمامها والرد على التهم الموجهة إليه بقتل المدنيين في تهم إبادة قد توصله إلى قضاء ما تبقى من حياته وراء القضبان. كما أن تأكيد سيف الإسلام القذافي أن والده مازال في طرابلس لم يكن هكذا ولكن للقول أن الحرب لم تنته وان القذافي مادام على قيد الحياة فان الحرب لن تضع أوزارها وهو أيضا تأكيد على انه ووالده لا يريدان الاستسلام، وعد سبق للعقيد الأب أن التزم به وأكد أنه لن يغادر بلاده ولن يستسلم أبدا. ويؤكد استمرار المعارك في العزيزية ومختلف شوارع طرابلس أن مئات المقاتلين الموالين للرئيس الليبي مازالوا مقتنعين بشرعية رئيسيم بدليل دفاعهم عنه رغم الدعاية الإعلامية التي رافقت عملية وصول مقاتلي المعارضة المسلحة إلى طرابلس وبما يؤكد القناعة أن الحرب متواصلة وحسمها لن يكون ليوم غد.