على صفيح ساخن تفاعلت الأحداث على الساحة المصرية إثر تمكن مئات المحتجين الغاضبين من اقتحام مبنى السفارة الإسرائيلية في القاهرة ليلة الجمعة إلى السبت للتعبير عن رفضهم القاطع لإقامة أي علاقة مع دولة محتلة بدأت تفقد أهم حلفائها تدريجيا في المنطقة. فبعد الأزمة الدبلوماسية التي تصاعدت حدتها في الفترة الأخيرة بين تركيا وإسرائيل اشتد الخناق أكثر من حول هذه الأخيرة مما أدخلها في عزلة جديدة فرضها شارع مصري مصر على إخراج القاهرة من خانة الدول العربية التي سمحت لنفسها بتطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي. وفي حادثة غير مسبوقة حاول مئات المتظاهرين المطالبين بطرد السفير الإسرائيلي اقتحام سفارة إسرائيل وتمكنوا من كسر جزء من الجدار الخرساني الذي كانت السلطات المصرية قد اضطرت إلى إقامته لحماية البرج الذي يقع فيه مقر السفارة الإسرائيلية بالجيزة بعد محاولة الاقتحام التي تعرضت لها السفارة مؤخرا اثر مقتل خمسة جنود مصريين بنيران مروحية إسرائيلية. وتسلق متظاهرون البرج ونزعوا العلم الإسرائيلي ووضعوا مكانه العالم المصري وبلغ هؤلاء مدخل السفارة التي راجت معلومات بأنها كانت خالية من معظم موظفيها. وهو ما فجّر مواجهات مع قوات الأمن التي استخدمت الغازات المسيلة للدموع كما أطلقت النار في الهواء لتفريق المحتجين مما تسبب في سقوط ثلاثة قتلى وأكثر من ألف جريح من بينهم 300 عنصر من قوات الأمن. وضع دفع بالسلطات المصرية إلى إعلان حالة استنفار قصوى وانتشار مكثف لقوات الأمن بمحيط السفارة ومحافظة امن الجيزة التي كانت عرضة أيضا لهجوم المحتجين. من جانبها سارعت إسرائيل إلى إجلاء سفيرها إسحاق لافنون وقرابة 80 موظفا رفقة عائلاتهم وأبقت فقط على قنصلها في القاهرة من اجل البقاء على اتصال مع الحومة المصرية. والحقيقية ان مثل هذا التصرف كان منتظرا من المتظاهرين المصريين الذين أصروا على المضي قدما في الحفاظ على مكتسبات ثورتهم ورفض التطبيع مع إسرائيل خاصة بعد مقتل خمسة عناصر من أفراد الأمن المصريين في الاعتداء الذي شنته قوات الاحتلال في 18 أوت الماضي بالأرضي المصرية بدعوى أنهم عناصر من المقاومة الفلسطينية. وحتى حكومة الاحتلال نفسها بدت أنها كانت تتوقع مثل ردة الفعل هذه من شارع مصري يطالب منذ فترة بقطع العلاقات مع إسرائيل ووجد في ثورة 25 جانفي التي أطاحت بنظام جعل من القاهرة حليفا استراتيجيا لإسرائيل متنفسا له لإثبات وجوده وقول كلمته. وكانت حكومة الاحتلال أبدت مخاوف متزايدة من فقدها لهذا الحليف الاستراتيجي الهام بعد سقوط نظام الرئيس حسني مبارك وهو ما جعلها تسارع إلى مطالبة السلطات الجديدة في مصر بالالتزام بمعاهدات السلام السابقة بين الطرفين والتي مكنت إسرائيل من العيش طيلة ثلاثة عقود أو ما يزيد في مأمن من الجانب المصري. ولأن مؤشرات أزمة دبلوماسية مستعصية بدأت تلوح في الأفق بين مصر وإسرائيل منذ مقتل العسكريين المصريين الخمسة فإن حكومة الاحتلال سارعت إلى عقد اجتماع أزمة لبحث كيفية التعامل مع الوضع الجديد الذي فرضته الثورة المصرية. وبينما اعتبرت تسيبي ليفني رئيسة المعارضة الإسرائيلية ان ''السلام بين مصر وإسرائيل يندرج في إطار المصالح الاستراتجية للطرفين'' ذهب زفي مازيل سفير إسرائيلي سابق بالقاهرة إلى القول ان ''هناك فوضى عارمة في مصر'' ووصف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة المارشال حسين طنطاوي بأنه ''ضعيف'' و''غير قادر على خوض حوار مع الشعب المصري''. غير ان الحقيقة التي يجب على السفير الإسرائيلي وكل المسؤولين الآخرين إدراكها هي ان الشعب المصري لم يرض يوما بتطبيع العلاقات مع كيان محتل، وإنما صمته طيلة العقود الماضية كان تحت ضغط نظام كتم أنفاسه. والمؤكد ان حادثة اقتحام السفارة الإسرائيلية بالقاهرة وضعت إسرائيل أمام حقيقة سعت دائما للهروب منها لكن ومع تغير المعطيات فإن إسرائيل مهددة بمواجهة عزلة حقيقية في منطقة الشرق الأوسط وهي التي فقدت أهم حليف استراتيجي لها في المنطقة بعد قرار تركيا قطع كل روابطها العسكرية والتجارية مع حكومة الاحتلال على خلفية الهجوم الإسرائيلي على سفينة ''مافي مرمرة'' الذي راح ضحيته تسعة متضامنين أتراك شهر ماي من العام الماضي. وقد تجد نفسها في عزلة اكبر في حال نجح المسعى الفلسطيني في تمرير مطلبه في افتكاك اعتراف دولي بدولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة كاملة.