عبر مشروع توثيقي كامل يتقصّى المعاني المتعسفة لبعض الحدود الطبيعية والمصطنعة وما تتركه من أهوال وعذابات في حياة الأفراد والأوطان، يندرج معرض ''لنقف ضد الجدار'' الذي تقيمه المصورة الأميركية كاي فلو رازوسكي في ''مركز فاين آرتس'' بمدينة مينيابولس بولاية مينيسوتا. يُظهر الفيلم أن جدار الفصل الإسرائيلي في فلسطين، والسياج الإسباني المحيط بمدينة مليلية المغربية، وشبكات المراقبة التكنولوجية والمعسكرة على الحدود الأميركية المكسيكية ليست مجرد أدوات فصل وعزل أو تجهيزات حماية كما تبدو للوهلة الأولى في الواقع العياني المباشر، بل هي بالإضافة إلى كونها أشكالا من ''المانيفستو''، تعد تعبيرات داخلية تكشف عن ضراوة وقساوة الجدران القائمة في الذهنيات وآليات التفكير والسلوك. بهذا المعنى، يصح ما كتبته رازوسكي عن معرضها: ''إنه شهادة منا من العالم الغربي الصامت إلى أبناء جلدتنا البيض.. تحكي قصة الذنب الذي اقترفناه في هذا العالم المفتوح''. يضم المعرض الذي يستمر حتى منتصف هذا الشهر، بالإضافة إلى عشرات الصور الفوتوغرافية الملتقطة على مدى عشر سنوات في الضفة الغربية وغزة ومليلية وبعض المدن الأميركية الواقعة على الحدود المكسيكية، عروضا بالوسائط المتعددة وفعاليات موازية تتضمن قراءات إبداعية وندوات نقاشية. كما تم إنشاء جدار داخل المعرض ليكون ''عقبة'' أو ممرا إجباريا للزائرين وذلك بهدف خلق مناخات وطقوس اجتياز المعابر الحدودية التي يتعرض فيها الناس إلى التفتيش والهتك والانتظار. بدأت فكرة المشروع التوثيقي عن الجدران المرفوعة والحواجز المنصوبة عند رازوسكي منذ عام 2002 حين كانت في زيارة للضفة الغربية، وشهدت بنفسها انطلاق عمليات بناء الجدار وما رافقها من تجريف للأراضي وهدم لبيوت الفلسطينيين. مكنت تجربة رازوسكي الشخصية، باعتبارها شاهدة عيان، أن تنجو من التعريف المزدوج للجدار، حيث يدعي الإسرائيليون أنه ''جدار أمني''، في حين يراه الفلسطينيون ''جدار فصل عنصري''. تعلق رازوسكي في شريط تسجيلي مرافق للمعرض: ''هذا الجدار يفصل الفلسطينيين عن بساتينهم ومزارعهم ويشق القرى ويمزق قلوب ساكنيها، والطامة الكبرى أن الجدار تم بناؤه على أراضي هؤلاء الناس الذين يُراد عزلهم ودفعهم خارجا. تشير إلى أن بناء جدار لنسجن الآخرين خارجه أو إقامة سياج لإبعاد المشكلة التي خلقناها جانبا وبدون أي شعور بالمسؤولية، هو الذي يدفع هؤلاء الناس إلى المغامرة إلى خرق ''القوانين'' والرغبة في اجتياز تلك الجدران والأسيجة. كما هو الأمر في فلسطين كذلك، هو الحال في مدينة مليلية التي عمدت فيها السلطات الإسبانية إلى بناء سياج على أراض قدمتها الحكومة المغربية بغرض مكافحة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا. هنا أيضا تتكرر السخرية المرة بإنشاء أسيجة على الأراضي المغربية وعلى حساب المغربيين أنفسهم، لضمان بقائهم خارج مدينتي مليلية وسبتة التي ترفع على بواباتها لوحة ''أهلا بكم في الاتحاد الأوروبي''. تروي رازوسكي في معرضها قصص معاناة المغربيين الذين يصرفون عدة سنوات من أعمارهم، على أمل أن يحظوا بنعمة الدخول إلى مراكز التوقيف الخاصة بالمهاجرين والمغامرة بفرصة الحصول على أوراق هجرة قانونية إلى أوروبا، حيث ''ينجح القليلون والمحظوظون منهم في ذلك، وتتم إعادة ترحيل الآخرين.. هذا إذا لم يموتوا وهم يحاولون اجتياز تلك الأسيجة''. كما تأخذ رازوسكي كاميرتها إلى الحدود الأميركية لترى الأميركيين ما الذي يحدث ''في فنائنا الخلفي، ولفضح بعض أسرارنا القذرة كأمة أميركية''. المعرض، بعد هذا كله، هو نوع من الدعوة والمثابرة في مسألة التواصل العالمي وتحطيم تلك الجدران وإزالتها من الواقع ومن الأذهان والنفوس ورازوسكي، تعتبر الكاميرا سلاحها في أتون هذه الألعاب السياسية-.