بمصادقة مجلس الوزراء على قانوني الأحزاب السياسية والجمعيات تكون السلطات قد دخلت مرحلة عملية في إرساء التصورات الجديدة التي من شأنها أن ترسم الخارطة السياسية للبلاد وفق المتطلبات والمتغيرات الآنية والمستقبلية والتي شكلت مطلبا أساسيا لكل التشكيلات الوطنية منذ فترة. فكانت القرارات التي أصدرها مجلس الوزراء في اجتماعه المنعقد يوم 22 فيفري الماضي بمثابة نية معلنة للاستجابة إلى هذه المطالب بتبني اصلاحات حظيت بمشاورات موسعة لمختلف الفاعلين والشركاء في المجتمع. وعليه فقد أكد مجلس الوزراء المنعقد يومي الأحد والإثنين الماضيين على أن الموافقة على مشروع القانون العضوي الذي يتعلق بالأحزاب السياسية قد تم على ضوء الاقتراحات التي جاء بها المشاركون في المشاورات حول الإصلاحات السياسية. ومن هذا المنطلق تم التركيز على ضرورة تعزيز التعددية الديمقراطية بإثراء الأحكام التي تضبط إنشاء الأحزاب السياسية وعلاقة هذه الأخيرة بالسلطات العمومية واحترام المبادئ المنصوص عليها في الدستور ومراعاتها وكذا الشفافية في تسيير مالية الأحزاب السياسية. وإذ رسم الإجراء الإطار الملائم لإنشاء الأحزاب وفق معايير محددة، فقد ضبط قواعد لضمان الشفافية في تسيير وتمويل الأحزاب ومن أجل مكافحة كل أشكال الفساد في الحياة السياسية. ومن هذا المنطلق، فإن مشروع القانون يكلف الإدارة العمومية بالسهر على مراعاتها، على أن يكون حكم تجاوز سكوت الإدارة للآجال حكم اعتماد. وكل رفض من قبل السلطات العمومية في هذه المرحلة أو تلك من مراحل إنشاء حزب ما يخول الحق في الطعن لدى مجلس الدولة الذي يبت في الأمر بتا نهائيا. ومن منطلق أن النشاط الحزبي يقترن بالتطورات السياسية التي تعرفها البلاد، فقد تم التركيز على أهمية صون حقوق المجموعة الوطنية بإرفاق ذلك بأحكام تجنب تجدد المأساة الوطنية وتمنع التراجع ''عن الحريات الأساسية وعن الطابع الديمقراطي والجمهوري للدولة وصون الوحدة الوطنية والسلامة الترابية والاستقلال الوطني وكذا مكونات الهوية الوطنية''. وبما أن انشغال الأحزاب السياسية كثيرا ما ارتبط بالإدارة، فقد حدد مشروع القانون بخصوص المنازعات أو الخلافات التي قد تنشب بين الإدارة ''من حيث هي ضامنة احترام القانون والنظام العام من جهة وحزب سياسي معتمد من جهة أخرى''، بأن كل إجراء تحفظي منصوص عليه في القانون يسوغ الطعن لدى مجلس الدولة الذي يتعين عليه في كل الأحوال البت في المسألة في أجل أقصاه ستون يوما. في حين لم يسوغ مشروع القانون أي تدخل في التنظيم الداخلي للأحزاب السياسية، مقتصراعلى النص على ما يلزم قوانينها التأسيسية بسن قواعد ديمقراطية لتدبير سيرها وعلى تشجيع ترقية الانتساب النسوي إلى هيئاتها القيادية وعلى النص على قواعد لضمان الشفافية في تمويل الأحزاب ومن أجل مكافحة كل شكل من أشكال الفساد في الحياة السياسية، كما لم يحتو مشروع القانون على أية عقوبة بالحبس. وفي هذا الإطار وفي أول رد فعل على مشروع القانون كانت مجموعة من الأحزاب السياسية قد عبرت عن ارتياحها لاعتماد مجلس الوزراء مشاريع قوانين تندرج ضمن الإصلاحات السياسية التي أعلن عنها رئيس الجمهورية، في حين تحفظت أحزاب أخرى بشأن ''الإرادة الحقيقية'' للإصلاح وانتقد بعضها المنهجية المتبعة. وقد أشاد كل من حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم بمضمون القوانين التي وافق عليها مجلس الوزراء معتبرة إياها ''خطوة'' في مسار تعزيز الديمقراطية. و أنها تعد ''تأكيدا لوفاء الدولة بالتزاماتها'' كما أنها (اي المشاريع) ''ستعطي حيوية أكثر للنشاط السياسي''. ولم تقل أهمية مشروع قانون الجمعيات عن موضوع قانون الأحزاب بالنظر إلى الدور الكبير الذي يفترض أن تقوم به الجمعيات في المجتمع لاسيما في توجيه الرأي العام الوطني، في حين جاءت مطالب مراجعة قانون الجمعيات بعد أن تأكد أن معظمها لا يقوم بدوره الأساسي وأن وجودها لا يكلف سوى ميزانية الدولة. ومن هذا المنطلق أكد مجلس الوزراء الأخير أن إدراج القانون يعكس على أوسع نطاق وجهات النظر والاقتراحات المعبر عنها بمناسبة المشاورات مع الشخصيات والأحزاب والجمعيات التي تدعو إلى تعزيز حرية إنشاء الجمعيات وضبط نشاطها، إلى جانب سد ثغرات قانونية فيما يتعلق بالمؤسسات والوداديات والجمعيات الأجنبية القائمة بالجزائر. ولإضفاء المرونة على النشاط الجمعوي فقد تم إلزام الإدارة بالرد في أجل مدته ثلاثة شهور على طلب الاعتماد الذي تقدمه جمعية ما واعتبار عدم الرد اعتمادا تلقائيا كما أن أي رفض للاعتماد قابل للطعن لدى الجهة القضائية الإدارية في حين تلزم الجمعيات أيضا بالامتثال لجملة من الشروط كالاستقامة والشفافية في التسيير المالي ومراعاة الدستور والقوانين. من جهة أخرى، فإن تبني مجلس الوزراء لقانون الأحزاب والجمعيات الذي يدخل في إطار سلسلة الإصلاحات التي تم البت فيها منذ فتح باب النقاش أمام مختلف الفاعلين السياسيين من خلال المشاورات السياسية التي دامت شهرا كاملا (21 ماي إلى 21 جوان )، يتزامن واستئناف البرلمان لنشاطه الذي ستوكل له مهمة مناقشة هذه القوانين التي ينتظر أن يفصل فيها خلال اختتام دورته الخريفية.