تعيش الأحزاب حركة استثنائية، ليس نتيجة الدخول الاجتماعي، و إنما تجاوبا مع ورشات الإصلاح التي انطلقت والتي كانت في الأساس من أهم المطالب للطبقة السياسية لإرساء دعائم الديمقراطية الحقة و بناء دولة القانون .الأحزاب في مرحلة الإصلاح تواجه تحديات يتعين عليها رفعها ، خاصة و أنها في سباق مع الزمن، و عليها أن تعمل جاهدة لكي تثبت مصداقيتها أمام مناضليها الذين يطالبون بالتخلص من الوضع «الستاتيكي» بالنسبة لتلك التي لم تعقد حتى مؤتمراتها، في حين كان يتعين عليها على الأقل القيام بنشاط سياسي لتثبت أنها ما تزال موجودة على الساحة، و تتخلص من سلوكها المعتاد و هو الظهور مع اقتراب إجراء الاستحقاقات. و بالنظر إلى المرحلة المصيرية المتميزة بالإصلاحات التي دخلتها الجزائر، الأحزاب موجودة الآن بين مفترق الطرق، وعليها التجاوب و التفتح و الاقتراب من المواطن و الاستجابة لانشغالاته، و ليس اعتباره مجرد وعاء انتخابي يستخدم لجمع الأصوات لتحقيق المكاسب في الاستحقاقات. لقد شهدت الساحة السياسية في الآونة الأخيرة جدلا حادا حول طبيعة الإصلاحات السياسية والسقف الذي ستصله خاصة في ظل مخاوف الأحزاب من مغبة تلاعب الإدارة و خروجها عن مسار إجراء إصلاحات شاملة وعميقة . بالنسبة لحزب جبهة التحرير الوطني (الافلان) فقد أعلن هذا الأخير عن تنصيب أربع (4) لجان تتولى صياغة تصورات الحزب حول مراجعة الدستور وقوانين الانتخابات والأحزاب و الجمعيات والإعلام التي شملتها الإصلاحات السياسية. و فيما يتعلق بقانون الانتخابات طلب (الافلان) مراجعة نمط النسبية الممارسة بالمجالس المحلية ، بما يضمن تمثيل المواطن و يحمل الحزب مسؤولية التسيير. و قد أبرز رئيس الحركة (حمس) أبو جرة في آخر تصريح له بمناسبة اختتام أشغال أكاديمية جيل الترجيح و التدريب القيادي التابعة للحزب، أن هناك إرادة سياسية في إنجاح الإصلاحات مجددا تخوفه من أن تعرقل الإدارة هذا المسعى المصيري في حياة الأمة بترددها و عجزها عن مواكبة التطورات التي يشهدها المجتمع ، كما ركز على دور القضاء في الحياة السياسية لا سيما بعد أن أوكلت له مهمة مراقبة و سير العملية الانتخابية طبقا لمشروع القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات المصادق عليه خلال مجلس الوزراء المنعقد يوم 28 أوت المنصرم و المدرج ضمن الدورة الخريفية للبرلمان. وبالنسبة لحزب التجمع الوطني الديمقراطي (الارندي) فإنه يرى ان الإصلاحات ليست بالأمر البسيط، بل تحتاج إلى اجتماعات و نقاشات قصد الخروج بصيغة توافقية. و يعتبر (الارندي) أن هناك انسجام و تجانس بين مشاريع القوانين المطروحة على البرلمان و اقتراحات هذا الحزب الذي أكد على استعداده الكامل للمشاركة الفعالة لإثراء هذه المشاريع. وإذا كان هذا شان أحزاب التحالف فان التخوف يبدو اكبر بالنسبة لحزب العمال المحسوب على المعارضة والذي يرى أن هذه الإصلاحات مصيرية، حيث أكد على الرغم من أن مجلس الوزراء أعلن عن إجراءات هامة في صلب مشاريع القوانين، إلا انه أبدى مخاوفه فيما يخص مشروع القانون المتعلق بنظام الانتخابات، الذي يرى انه اغفل محرروه إدراج حكم هام و المتعلق بتولي قاض رئاسة اللجنة الانتخابية البلدية و استبداله في النص المعروض على المجلس برئيس يعينه الوالي. كما أعرب الحزب في نفس السياق عن عدم موافقته على إدارة محرري هذه النصوص القانونية التي تخول الإدارة مهمة تنظيم العملية الانتخابية و منح السلطة المطلقة للولاة لتعيين رؤساء مراكز الاقتراع، حسب المادة (31) وأعضاء مكتب الاقتراع في المادة (40)، وكذا أعضاء اللجنة الانتخابية للبلدية المادة (152)، و اعتبر أن ذلك يجعل الفارق كبيرا بين توجيهات رئيس الجمهورية و الأحكام التي تضمنتها مشاريع القوانين المطروحة على البرلمان .