الحديث عن اختفاء عشرة آلاف صاروخ أرض-جو من طراز ''سام 7 '' المعروف في لغة المختصين بصاروخ ''ستريلا'' الفتاك في سياق الانفلات الأمني في ليبيا واقتحام المراكز الأمنية في بداية الانقلاب على العقيد معمر القذافي يزرع الخوف من مستقبل غامض في هذا البلد وكل المنطقة بسبب خصائص هذا السلاح في حال وقوعه بين أيدي التنظيمات الإرهابية أو مهربي الأسلحة. والرقم ضخم في حد ذاته لأنه يعد ترسانة حقيقية يمكن أن ترجح موازين معركة حربية بل انه يمكن أن يغير مجريات حرب بكاملها في حال وقوع مثل هذا العدد بين أيدي أي تنظيم أو جماعة والذاكرة التاريخية مازالت تتذكر الدور الذي لعبته صواريخ ''ستينغر'' الأمريكية المشابهة لها خلال الحرب الأفغانية-السوفياتية ثمانينيات القرن الماضي والتي مكنت من هزم الجيش الأحمر بعد عشر سنوات من حرب مدمرة في هذا البلد. ولأن رقم عشرة آلاف صاروخ من هذا الطراز كبير جدا فإن جل الخبراء العسكريين بدأوا يدقون ناقوس الخطر من تبعات انتشاره الفوضوي ليس فقط على الطائرات الحربية كونه العدو اللدود للطائرات المروحية ولكن أيضا بالنسبة للطائرات المدنية وخاصة في حال وقوعه بين أيدي التنظيمات الإرهابية المتطرفة في منطقة الساحل مثلا. ولم تكن تحذيرات الرئيس النيجيري يوسوفو محمادو الأخيرة بوجود عمليات تهريب ضخمة للأسلحة الليبية ووصولها إلى أيدي تنظيمات إرهابية في دول الساحل سوى الظاهر من جبل جليد لم يكشف عن كل خباياه. وهي أيضا التحذيرات التي جعلت مسؤولين جزائريين يحذرون من تبعات ذلك الانفلات الأمني والعواقب الكارثية التي يخلفها التدخل العسكري الأطلسي في ليبيا وهو ما تأكد الآن بعد أن نشرت مجلة ''دير شبيغل'' الألمانية خبرا مفزعا باختفاء عشرة آلاف قطعة من هذا الصاروخ. ويفتح مثل هذا الخبر الباب أمام سيل من التكهنات حول الجهات التي يمكن أن تكون هذه الترسانة قد وقعت بين أيديها. فهي يمكن أن تكون مازالت في ليبيا لدى تنظيمات سياسية تخشى أن لا تجد نفسها في أية ترتيبات سياسية قادمة في الخارطة السياسية لهذا البلد لما بعد نظام القذافي وتكون قد اخفت بعضا منها لإخراجها متى رأت ضرورة لذلك لفرض وجهة نظرها على من يعاديها. وإما أن تكون قد استحوذ عليها تجار الأسلحة والمهربين لمختلف الممنوعات لاستغلالها في سوق سوداء مزدهرة وخاصة في ظل حالة عدم الاستقرار الذي تشهده عديد الدول الإفريقية بل وفي مناطق ساخنة أخرى من العالم. ولكن الاحتمال الأكثر ورودا في سياق الأحداث التي أفرزتها الأزمة الليبية أن يكون العدد الأكبر من هذه الأسلحة الفتاكة قد وقع بين أيدي تنظيم القاعدة في منطقة المغرب الإسلامي التي وجدت في مناطق شمال مالي والنيجر والى غاية موريتانيا معاقل آمنة لها. ولا يبدو الرقم مبالغ فيه فمن شاهد صور اقتحام قصر باب العزيزية آخر معاقل العقيد الليبي في العاصمة طرابلس والأسلحة التي كان يحملها أطفال لم يبلغوا مرحلة الرشد كان بإمكانه أن يطرح السؤال من أين جاءت كل هذه الأسلحة والى أين سيذهب بها حاملوها في فوضى سادت المكان وكأنهم في بازار لبيع وشراء كل ما هو فتاك. ويكون قادة حلف الناتو حسب الصحيفة الألمانية قد أدركوا خطورة الوضع وعقدوا لأجل ذلك اجتماعات سرية لبحث الموقف وأكدوا أن خطورتها قد تمتد من كينيا إلى قندز في أفغانستان لتأكيد خطورة هذا التسريب ولكن ضميرهم تحرك بعد فوات الأوان وبعد أن تجاهلوا كل تحذيرات دول الجوار والاتحاد الإفريقي من انعكاسات عمل عسكري بمثل الذي تعرضت له ليبيا.