يلتقي اليوم بالعاصمة الأردنية مفاوضون فلسطينيون وإسرائيليون وممثلو اللجنة الرباعية الدولية المكلفة بالسهر على تحريك مسار السلام في الشرق الأوسط في أول لقاء من نوعه منذ سبتمبر . 2010وتحاول السلطات الأردنية التي سعت ورعت هذا اللقاء إلى إعادة بعث الروح في جسد عميلة سلام يجمع الكل على اعتبارها ميتة وإعادتها إلى السكة من جديد بالأمر المستحيل بسبب التباعد الكبير في مواقف طرفي هذا النزاع. فالهوة ما انفكت تتوسع من يوم لآخر طيلة ثمانية أشهر كاملة منذ تعثر المفاوضات غير المباشرة والمواقف ازدادت تشددا وفي وقت فرضت فيه حكومات الاحتلال المتعاقبة، الأمر الواقع الذي كانت تريده من وراء إفشال كل محاولة لتحريك العملية السلمية حتى تتمكن من جعل الفلسطينيين يرضخون لاملاءاتها متى تم استئناف المفاوضات في الوقت والمكان الذي تريد ووفق الشروط التي تفرضها. ولم تكن سياسة الاستيطان الممنهجة التي دأبت على تكريسها في الضفة الغربيةوالقدسالشرقية وتأكيد ضم هذه الأخيرة إلى جزئها الغربي وجعلها عاصمة الدولة الإسرائيلية بالإضافة إلى سياسة خنق السلطة الفلسطينية بشتى وسائل الضغط وعدم اعترافها بحدود الرابع جوان ,1967 كلها أوراق ضغط عملت إسرائيل على رفعها في وجه الفلسطينيين الذين بقوا عاجزين على فعل أي شيئ سوى متابعة عمليات تجريف الأراضي لإقامة مشاريع استيطانية جديدة وتدمير كل المعالم والآثار العربية الإسلامية وتجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم في القدسالشرقية. وهو ما يجعل اجتماع العاصمة الأردنية اليوم أشبه بمن يحرث في الماء كما يقال على اعتبار أن النتيجة النهائية للاجتماع واضحة من منطلق أن لا شيء تغير منذ نهاية سبتمبر 2010 في موقف حكومة الاحتلال التي رفضت وترفض كل فكرة للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود حرب جوان .1967 كما أنه لا شيء سيجعل الإسرائيليين يغيرون اليوم مواقفهم لتأكيد حسن نيتهم من وراء العودة إلى طاولة المفاوضات بل أنهم سيعملون بكل تأكيد على ابتزاز الفلسطينيين لتقديم مزيد من التنازلات. وما إعلان يهودية دولة إسرائيل إلا اكبر مثال على ذلك والفلسطينيون يدركون أكثر من غيرهم مدى خطورة مثل هذه الصفة على ملايين الفلسطينيين الذين صمدوا في وجه الاحتلال وبقوا وراء الخط الأخضر في فلسطين التاريخية ولكنهم اليوم وبسبب مثل هذا القانون سيجدون أنفسهم مجرد أجانب وهم أبناء الأرض الأصليين. وهي عقبة أضافتها الحكومة اليمينية الإسرائيلية إلى شروطها التعجيزية التي أفقدت كل معنى لمفاوضات السلام وخاصة ما تعلق بالحدود ووقف الاستيطان الذي يصر الفلسطينيون على جعله أول شرط للجلوس إلى الطاولة. ويبدو أن إسرائيل إنما قبلت الذهاب إلى العاصمة الأردنية لجس نبض الفلسطينيين فقط، وهي التي أكدت أمس أن لقاء عمان لا يعني أبدا أنه بداية لاستئناف مفاوضات السلام رغم أن رئيس الوفد الإسرائيلي إسحاق مولشو وكبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات سيلتقيان لأول مرة وجها لوجه منذ سنوات من أجل بحث القضايا العالقة بينهما. ولكن الاجتماع مآله الفشل على اعتبار أن إسرائيل ترفض رفضا قطعيا كل فكرة لوقف الاستيطان والاعتراف بالدولة الفلسطينية في الحدود التي نصت عليها معاهدات السلام بين الجانبين. ولكن ما الذي جعل الفلسطينيين يقبلون الآن بالجلوس وجها لوجه مع مسؤولين إسرائيليين وهم الذين صمدوا لعدة أشهر في وجه هذه الفكرة وأصروا على مواصلة المفاوضات غير المباشرة إلى حين التوصل إلى اتفاق نهائي حول هاتين المسألتين الحساستين وحينها يمكن العودة إلى طاولة المفاوضات المباشرة ؟ والمؤكد أن ضغوطا إقليمية ودولية كبيرة مورست على السلطة الفلسطينية أرغمتها على تغيير موقفها الرافض للمفاوضات المباشرة وجعلتها في النهاية تذعن للأمر الواقع الذي فرضته إسرائيل بدعم أمريكي ووسط عجز أطراف اللجنة الرباعية الأخرى في تحمل مسؤولياتهم. وربما جاء هذا التغير في الموقف بعد أن فشل التحرك الفلسطيني على مستوى مجلس الأمن للحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة باستخدام ورقة الهيئة الأممية ولكنها لم تتمكن من ذلك بعد أن جاءت نتيجة التصويت في مجلس الأمن مخيبة لآمال ملايين الفلسطينيين. وهي كلها عوامل تجعل من تحذيرات الرئيس محمود عباس بانتهاج خيارات أخرى في حال فشلت اللجنة الرباعية يوم 26 جانفي في مهمة تحريك عملية السلام مجرد تحذيرات لن تغير في واقع الحال شيئا عندما نعلم أن الرئيس الفلسطيني استبعد اندلاع انتفاضة ثالثة وذهب إلى حد القول إنه يعارض خيارا مثل هذا مع انه بديل قادر على تغيير المواقف.