تعلم الحرفة ليس حكرا على فئة الشباب الذين تركوا مقاعد الدراسة مبكرا، أو الذين واجهتهم بعض مشاكل التوظيف، وإنما هي أيضا هواية يمارسها البعض في أوقات الفراغ لاكتشاف ما بداخلهم من طاقات إبداعية، سرعان ما تظهر بمجرد توظيفها عند تعلم بعض الحرف، ولعل الطالب الجامعي سليم عيدة خير نموذج يمكن الحديث عنه، كونه زاوج بين تخصصه في الدراسة بالمعهد العالي للشبه طبي وبين الفنون التشكيلية، فأبدع نماذج يدوية كان لها شرف العرض بصالون الدمية الذي أقيم مؤخرا. أبدع الشاب سليم من ولاية تبسة في صناعة نماذج تزيينية تعكس تقاليد وتراث المنطقة التي ينتمي إليها، فكانت حرفته عبارة عن صناعة مجسمات يدوية على شكل دمى، بحيث تمثل كل دمية جانبا من النشاطات التقليدية التي كانت تقوم بها المرأة أو الرجل في الماضي، على غرار جز الصوف، رعي الأغنام، صناعة الزرابي، صناعة الفخار أو غسل الصوف.. وإذا دققت النظر إليها، تبدو لك وكأنها لوحات فنية مجسمة. وحول هذه الحرفة، قال سليم ل''المساء'': ''بحكم أني شاب محب للرسم وأملك القليل من وقت الفراغ، بسبب انشغالي بالدراسة، قررت أن أعمل على ممارسة هوايتي المفضلة، فانخرطت بدار الشباب، حيث كنت أقوم برسم يحمل ما يخطر على بالي في شكل لوحات فنية، ولأن الشخصيات التي كنت أرسمها تظهر وكأنها حقيقية، لأنني من خلال رسوماتي، أعطي أهمية كبيرة لتفاصيل الوجه وأُبرزها بدقة، نصحني زميل لي بأن أنتقل من فن الرسم إلى فن النحت لتظهر أعمالي بشكل أفضل، ومن هنا كانت الانطلاقة، حيث بدأت -يقول المتحدث- بنحت بعض الشخصيات التي تعكس وضعية أو حالة معينة، وبالفعل تمكنت من الإبداع بشكل أفضل عندما انتقلت من الرسم إلى النحت، حيث أقوم برسم النموذج الذي أرغب في نحتها، ثم أحولها من رسم على الورق إلى مجسم ملموس. وعن الأدوات التي يستخدمها سليم لممارسة هوايته قال: ''أعتمد على الأسلاك الحديدية التي بواسطتها أشكل جسم النموذج الذي أرغب في تصميمه، وبعد الانتهاء من الهيكل، أقوم بلفه بالضمادات، وهنا يظهر التزاوج بين ما أدرسه في عالم الطب وبين الحرفة التي أمارسها، فأقوم بلف الضمادات بالهيكل، أي كأنني أدرس الهيكل العظمي للكائن البشري، بعدها كمرحلة ثالثة، أقوم بملء الهيكل بمادة الجبس، وأستعين أيضا بالغراء الأبيض لشد الهيكل جيدا، ليبرز شكل جسم المجسم الذي أصنعه سواء كان لرجل أو امرأة أو حتى لحيوان، وأُبْقي في النهاية الوجه واليدين اللذين أدقق العمل عليهما لأنهما أكثر ما يظهر في المجسم، فمثلا بالنسبة للوجه، أبدع في إظهار التفاصيل والملامح، بحيث يخيل لمن ينظر إليها أنه ينظر إلى شخص حقيقي. وعن الوقت الذي يستغرقه في تصميم هذه النماذج، جاء على لسان سليم أن حبه لهذه الحرفة وعشقه الكبير للرسم، غيب لديه الشعور بالوقت عند الشروع في صناعة هذه النماذج المصغرة، حيث قال: ''عندما وجهت إليّ الدعوة للمشاركة بصالون الدمية، قمت بصناعة ستة نماذج في ضرف يومين فقط، وتعمدت أن أركز في أعمالي على إظهار اللباس التقليدي والحرف التقليدية، حتى يكون لتحفي معنى ولأسهم من جهتي في الحفاظ على جانب من الموروث التقليدي لولاية تبسة. وعن بعض المهرجانات التي شارك بها، قال محدثنا: إن صالون الدمية كان أول صالون تظهر فيه إبداعاته الفنية، وهي فرصة مكنته من عرض حرفته النموذجية، وفرصة سمحت له بالاحتكاك ببعض المبدعين حيث قال: ''أدرس اليوم في تخصص الشبه طبي، وأتمنى أن أتحول إلى إطار في مجال تخصصي، كما أرغب في أن أرتقي بهذه الحرفة إلى أبعد الحدود، وأتمنى أيضا أن أتمكن من التعريف بتراث بلادي من خلال ما أعده من أعمال ذات معنى-.