كان حفل تخرج بكل المقاييس المعروفة: العرض، الأسئلة والأجوبة، القلق، تشجيع الأولياء، أناقة الطلبة، صرامة الأساتذة المناقشين، الزغاريد، الحلوى والمشروبات، بعد الإعلان عن حصول كل المتخرجين على درجة ''الامتياز''. وهي الدرجة التي يستحقها هؤلاء لان كونهم مصابين بالتريزوميا، لم يمنعهم من خوض تجربة هي الأولى من نوعها، وتتمثل في تكوين دام ثلاث سنوات حول رسكلة الورق القديم، فاستحقوا بذلك الامتياز والشهادات المسلمة لهم، في انتظار تجسيد حلم إنشاء ورشة تحقق لهم الإندماج المهني الحقيقي. ''صالح حمادة''،''أمال بوحبال''، ''عبد النور باشوش''،''ياسمين سادات''، ''محمد أمين مزاري''،''فضيل أبركان''،''محرز بوقرة''، أسماء المتألقين في حفل تخرج أول دفعة من المكونين في اختصاص رسكلة الورق القديم الذي تشرف عليه الجمعية الوطنية للإدماج المدرسي والمهني للمصابين بالتريزوميا، والذي نظم مؤخرا بدار الشباب ''حسان حساني'' في بوزريعة. وتوج حفل التخرج وتسليم الشهادات للطلاب، ثلاث سنوات من التكوين الذي تم على مستوى الجمعية تحت إشراف السيد توفيق بو السعد نايت قاسي أو ''الشيخ توفيق''، كما يناديه طلابه، بمساعدة السيدة مريم. وتم التكوين على مراحل، وشمل برنامجا ثريا حول كل مايتعلق برسكلة الورق القديم، من الناحيتين النظرية والتطبيقية، فضلا عن تربص تطبيقي بمجمع ''تونيك'' للورق. وتداول الطلبة المتخرجون على المنصة واحدا تلو الآخر، لعرض فحوى البرنامج الذي درسوه باللغتين العربية والفرنسية -كل حسب اختياره- كما حاولوا بإصرار كبير الإجابة عن أسئلة لجنة المناقشة تحت رئاسة ''الشيخ توفيق'' الذي رغم صرامته ،إلا أنه تمكن من تخفيف حدة القلق التي راودت الطلبة وهم يعرضون قدراتهم لأول مرة أمام الملأ. وجاء الإعلان عن منح ''الامتياز'' للجميع نظير المجهودات الجبارة التي بذلوها طيلة هذه السنوات، مصدر فرحة وافتخار لكل الأولياء الحاضرين لاسيما الأمهات اللواتي يعتبرن بشهادة الجميع المدرسة الأولى التي يتعلم من خلالها الطفل التريزومي أولى خطوات الإندماج في المجتمع. فلكل أم حكاية تختلف في التفاصيل لكنها بالتاكيد تتشابه في عدة نقاط، أهمها الصدمة عند اكتشاف إصابة الطفل بأعراض التريزوميا، والجهل بطريقة التعامل معه، ثم محاولة الأم وإصرارها على إخراج الطفل من أي عزلة قد يفرضها عليه المجتمع، والبحث في كيفية جعله فردا منتجا وفعالا وإيجابيا. سألنا عبد النور عن رأيه في التكوين الذي تحصل عليه، فلم يتردد في الإجابة بالقول: ''درسنا بطريقة جيدة مع المعلم توفيق الذي اعتنى بنا كثيرا، واليوم أنا سعيد لأنني أنجزت هذه الأعمال، كما تعلمت العزف على آلة الناي، وأمارس المسرح''. سألنا السيد نايت قاسي عن تجربته في تكوين هذه الدفعة، فاعتبر أن عمله كمرب متخصص في المرضى المصابين بالتخلف العقلي طيلة عشرين سنة، أعطاه الخبرة اللازمة في التعامل مع فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، كما أن التحاقه بالجمعية مكنه من الاستفادة من تربص حول الرسكلة لمدة 15 يوما بفرنسا. ومن هنا جاءت فكرة تحويل رسكلة الورق القديم من مجرد نشاط إلى تكوين حقيقي يكلل بشهادة تمنحها الجمعية، وهذا بغية توفير دعم للمتربصين من أجل تشجيعهم على الإندماج المهني. ويضيف محدثنا: ''لاحظنا أن هناك من المصابين بالتريزوميا من يقرأ ويكتب، وهناك من لم يكن له الحظ للتعلم، لذا حاولنا تبسيط التكوين حتى يكون متاحا للجميع، وركزنا على الجانب التطبيقي لنمكن المتربصين من إدراك الجانب النظري، ولاحظنا كيف أن بعضهم ممن لايقرأ ولايكتب تمكن من سرد كل البرنامج الذي تلقاه طيلة هذه السنوات، إنها أول دفعة وإن شاء الله تكون هناك دفعات أخرى، ولكن ما أتمناه أن لانقف عند هذا الحد، وأن تسمح هذه الخطوة بالذهاب نحو خطوات أهم، لاسيما إنشاء ورشة تسمح لهم بإنتاج وتسويق أعمالهم، وهذا ممكن لكن يحتاج الأمر فقط لمرافقة دائمة ودعم''. من جانبه، أكد رئيس الجمعية الوطنية للمصابين بالتريزوميا محمود عمورة على أن أهم نداء يوجهه بعد نهاية التكوين هو للمهنيين، قائلا: ''لاتخشون على هذه الفئة لأنهم أثبتوا اليوم أنهم قادرون على أن يذهبوا بعيدا في مسار الإدماج المهني ويمنكهم أن ينخرطوا في عالم الشغل في مناصب عمل تناسبهم، وهكذا يستقلون بأنفسهم ويخدمون المجتمع، ولكن يجب تضافر جهود الجميع''. وأشار في السياق إلى وجود مشروع مع ''تونيك'' لتربص تطبيقي لمهنة مكيفة مع المصابين بالتريزوميا داخل المؤسسة-.