تأتي الإجراءات المتخذة من قبل مجلس الوزراء أول أمس بخصوص تنظيم سير اللجنة الوطنية للإشراف على الانتخابات وكذا رفع عدد مقاعد المجلس الشعبي الوطني طبقا للتعداد السكاني، لتستكمل سلسلة التدابير القانونية والتنظيمية التي تعهد بتكريسها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في إطار مسار الإصلاحات السياسة العميقة والذي أعلن انطلاقه في ربيع العام الماضي وأكد حرصه الشخصي على متابعة تجسيده في مناسبات متكررة، كان آخرها في افتتاحه السنة القضائية في ديسمبر الماضي. فالرئيس بوتفليقة الذي حرص في رده على منتقدي مسار الإصلاحات السياسية على التأكيد على أن هذه الإصلاحات هي إصلاحات الشعب الجزائري برمته، يدرك تمام الإدراك بأن نجاح هذه الإصلاحات التي من شأنها تكريس التغيير الهادئ في البلاد وبعث مرحلة تعددية جديدة، مرهون بنجاح الانتخابات التشريعية القادمة، على اعتبار أن هذه الانتخابات هي حلقة محورية في مسار الإصلاح السياسي الذي سيتوج في نهاية مراحله بوضع دستور جديد للبلاد يوافق المكاسب الجديدة التي تعزز بها المسار الديمقراطي الذي انطلقت فيه الجزائر نهاية ثمانينات القرن الماضي. وفي انتظار إعلان رئيس الجمهورية عن استدعاء الهيئة الانتخابية والمقرر مطلع الأسبوع المقبل، فإن سلسلة التدابير التنظيمية والتشريعية المكرسة لمسار الإصلاحات بشكل عام، وضمان نزاهة ومصداقية الموعد الانتخابي المقبل تكون قد استكملت عملية إرسائها بإقرار المرسوم المنظم لعمل اللجنة الوطنية للإشراف على الانتخابات، والتي تعد في حد ذاتها إحدى ثمار محاور الإصلاحات في شقها المتعلق بقانون الإنتخابات الجديد، واستجابة لأحد أبرز انشغالات الطبقة السياسية التي ظلت تطالب بمنح مهمة الإشراف على العملية الانتخابية للقضاة. كما تضمنت جملة الإجراءات التي يتوخى منها رئيس الجمهورية ضمان نزاهة الانتخابات دعوته للمراقبين الدوليين لمتابعة الإستحقاقات التشريعية المقررة في ماي المقبل، وذلك من منطلق حرصه الشديد على مراعاة ضمانات إضافية لنزاهة وشفافية الاقتراع، وطمأنة مختلف الفاعلين في الساحة السياسية الوطنية على مدى جدية هذا الموعد المصيري الذي ''سيفتح الباب على آفاق تسودها ديمقراطية متكاملة العناصر'' على حد تعبير الرئيس بوتفليقة. ولم يقتصر وفاء القاضي الأول في البلاد بالتزاماته بتعميق الإصلاحات السياسية على الإعلان عن القوانين الأساسية التي ينبني عليها هذه الإصلاحات وإنما تعدى ذلك إلى الجدول الزمني المحدد الذي تم وضعه ومتابعته عن قرب من اجل تجسيد البرنامج الإصلاحي ومن ثمة إضفاء مصداقية اكبر عليه، حيث وبعد أن أعطى إشارة الشروع في هذا البرنامج في خطابه إلى الأمة في 15 أفريل ,2011 عمد الرئيس بوتفليقة إلى ضبط رزنامة الإصلاحات وتحديد منهجيتها وتأكيد عمقها وشموليتها، من خلال سلسلة من التوجيهات التي قدمها للجهاز التنفيذي وكافة مؤسسات الدولة، في اجتماع مجلس الوزراء مطلع ماي الماضي، وتزامن ذلك مع تكليفه للسيد عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة بإجراء مشاورات واسعة حول مختلف المحاور المحددة في إطار برنامج الإصلاحات والقوانين المقترحة في هذا المجال، مكرسا بالتالي في منهجيته المبدأ الديمقراطي للحوار والتشاور، الذي تم توسيعه إلى المستوى المحلي عبر جلسات محلية وجهوية ساهمت فيها مختلف فعاليات المجتمع المدني. في حين ساهم البرلمانيون من جهتهم من خلال البرنامج المكثف الذي ميز الدورة الخريفية في تجسيد أهم المحاور التي حملها البرنامج الإصلاحي، من خلال مناقشتهم وتبنيهم لنصوص القوانين الجديدة والمتعلقة أساسا بالأحزاب السياسية، الانتخابات، حالات التنافي مع العهدة البرلمانية، توسيع المشاركة السياسية للمرأة، الإعلام، الجمعيات والولاية. ولعل ابرز الثمار المتجلية عن هذا العمل الإصلاحي تلك المتعلقة بتدعم الساحة السياسية الوطنية في الأيام القليلة الماضية بأحزاب جديدة يقارب عددها ال20 حزبا، تحصل بعضها على الاعتماد، بينما استلم البعض الآخر ترخيص عقد المؤتمر التأسيسي كخطوة قانونية رئيسية في مسار الحصول على اعتمادها، طبقا لأحكام قانون الانتخابات الجديد، ويوحي الأمر بأن تشكيلة البرلمان المقبل الذي سيتمخض عن الانتخابات القادمة ستكون أكثر ثراء من سابقه، ما سيتيح لعدد أكبر من ممثلي الشعب من المشاركة في إعداد الخطوة المتوجة لبرنامج الإصلاحات السياسية والمتعلقة بمراجعة الدستور ومن ثمة بناء مقومات ومعالم جزائر جديدة وإرساء قواعد دولة عصرية ديمقراطية تستمد شرعيتها من القانون ومن مشاركة أوسع لفئات المجتمع. ولا بد من الإشارة في الأخير إلى أن النجاح المتوخى من قبل السلطات العليا في البلاد للموعد الانتخابي القادم لا يمكن أن يكتمل دون الإسهام الإيجابي لكافة التشكيلات السياسية، سواء من خلال تعيينها لممثليها داخل الهيئات المكلفة بمتابعة العملية الانتخابية تفاديا للتأويلات المحتملة، أو من خلال تكثيفها للعمل التحسيسي الموجه لإقناع مختلف فئات الشعب الجزائر على المشاركة في هذا الموعد الاستحقاقي الهام، والذي يشمل بالضرورة حسن اختيار الممثلين الأكفاء الذين من شأنهم كسب ثقة المواطن.