ما يعيشه العالم العربي أو ما يراد له أن يعيشه من اضطرابات يدعو إلى وقفة للنظر في القضية بهدوء بعيدا عن التأثيرات الإعلامية والتصريحات السياسية للقوى الفاعلة في هذا الحراك الغريب عن المجتمعات العربية التي أصبحت تستقوي بالقوى الاستعمارية بعد أن حاربتها لعشرات السنين حتى أخرجتها تجر أذيال الخيبة. وما يجب أن نضعه نصب أعيننا هو أن الاستعمار الذي غزا أوطاننا العربية جاء باسم الديمقراطية والتمدن لإخراجنا من الجهل والتخلف إلى العلم والتقدم ومازال يرفع هذا الشعار إلى اليوم من أجل أن يمجد استعماره ويفتخر بفضائله للتغطية على جرائمه في حق الشعوب التي استعمرها واستغل بشرها وثوراتها لبناء مجده الاقتصادي. وها هو اليوم يشهر ''سيف'' الديمقراطية للإجهاز على ما حققته الشعوب المتحررة من تقدم مادي وعلمي واجتماعي وسياسي من خلال تشكيكه في كل خطوة تتخذ في هذا البلد أو ذاك باتجاه الممارسة الديمقراطية والتعايش الاجتماعي وكأنه يقبض بخيوط الثورات المضادة التي تعرقل كل تقدم في هذا الاتجاه. وعندما يعجز هذا الغرب الاستعماري -الذي يطبق مبدأ فرق تسد- في إيقاظ الفتن الداخلية يلجأ إلى التدخل العسكري المباشر كما كان الحال مع العراق وأخيرا ليبيا، وهو لا يخجل أن يعلن جهارا نهارا أنه سيعيد هذه الدول إلى العصور الحجرية، وقد فعل! ويجد هذا الغرب الاستعماري في الأقليات ضالته للتدخل في الشؤون الداخلية للدول بذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان ضاربا بأهم مبدأ من مبادئ الديمقراطية عرض الحائط، وهو المبدأ الذي ينص على أن الأغلبية تحكم والأقلية يحترم رأيها وتصان حقوقها سواء كانت عرقية أم دينية أم ثقافية. ولأن الغرب يوظف كل ما استطاع لخدمة مصالحه فهو يوظف الديمقراطية اليوم أكثر من أية وسيلة أخرى للحفاظ على هذه لمصالح في عالمنا العربي الغني بثرواته، وجعلها مدخلا للثورات والاضطرابات والنزاعات المسلحة بين أبناء الشعب الواحد والدين الواحد والثقافة الواحدة وحتى العرق الواحد. فالديمقراطية كما يريدها لنا الغرب خربت العراق، ودمرت ليبيا وقسمت السودان وأدخلت مصر في متاهة لا يعرف أحد متى تخرج منها وأسالت دماء اليمنيين والسوريين والحبل على الجرار..!