اعتبر الدكتور نور الدين عمرون، رئيس المجلس العلمي (البيداغوجي) بالمعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري ببرج الكيفان، أن أحد أهم مشاكل التكوين الفني في الجزائر يتمثل في قلة الأساتذة المختصين من حملة الماجستير والدكتوراه، ودعا الكاتب والمخرج المسرحي وصاحب كتاب "المسار المسرحي الجزائري إلى سنة 2000" و"النص مسرحي، حواجز الحدود"، دعا إلى ضرورة التفريق بين المكونين المختصين والموظفين من هواة فن التمثيل• هل يمكن أن تعرف بالمعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري باعتبارك رئيس المجلس البيداغوجي؟ أنشئ المعهد في الستينيات من أجل تكوين مسرحيين أكاديميين (ممارسين ومنظرين) وفعلا نجح المعهد في تكوين الكثير من الطلبة الذين ساهموا في رسم معالم المسرح الجزائري وجعله من المسارح العالمية، بعيدا عن الارتجالية والاحتفالية المبهمة، في إطار فرجة فنية معرفية أكاديمية عالمية• بعد تحويل المعهد من معهد للفنون الدرامية إلى معهد لفنون العرض والسمعي البصري، هل تتلاءم السياسة المنتهجة مع قلة الأساتذة؟ قرار تحويل المعهد كان مستعجلا، كان من المفروض توفير الأساتذة والوسائل الخاصة بالتكوين في مجال السمعي البصري وبعد ذلك الانطلاق في تكوين سينمائيين؛ لكن مهما كانت الظروف فقد تم التنسيق مع بعض مؤسسات السمعي البصري التي ساعدتنا في الجانب التطبيقي، كما وظفنا أساتذة متعاونين، الشيء الذي جعلنا نتغلب على النقص؛ وأوجه دعوة لكل الأساتذة المؤهلين للتدريس والحاملين لشهادة الماجستير والدكتوراه رغم أنني على علم بأن الأكاديميين في التخصصات الفنية قليلون في الجزائر• هل يوجد مشروع لإعادة فتح الملحقات التي أغلقت أو فتح أخرى جديدة؟ يمكن ذلك، لكن المشكل يكمن في قلة الأساتذة المختصين في الميدان المسرحي والسمعي البصري في الجزائر، إذ أنهم لا يتعدون الثلاثين أستاذا فقط، والذين لهم حق ممارسة التكوين الفني، كما يجب أن نفرق بين مختص أكاديمي يملك المعايير المعرفية، التطبيقية والنظرية، وموظف هاوٍ، فالتكوين ليس متاحا للجميع• لكن في المستقبل يمكن فتح ملحقات جهوية، حين تتوفر الموارد البشرية الفنية• لماذا لا يملك المعهد فرقة مسرحية تابعة له من الطلبة وخريجي المعهد تساهم في تطوير الفن المسرحي بصبغته الأكاديمية؟ لقد صدر قرار وزاري في جوان 2006 يسمح للمعهد بإنتاج عروض وأفلام مسرحية، الشيء الذي جعل المعهد يجتهد في إنتاج عروض مسرحية خارج إطار التكوين، حيث أنتج في إطار تظاهرة "الجزائر عاصمة للثقافات العربية 2007" عرضا مسرحيا بعنوان "جسر إلى الأبد" للكاتب غسان كنفاني، ولاقى العرض نجاحا جيدا حققه الأداء التمثيلي الصادق، وأدعو المسرحيين الجزائريين إلى الاهتمام بالأداء والتركيب البنيوي للنص• لوحظ في المهرجان الوطني للمسرح المحترف، الحضور الكبير، على غرار التتويج أيضا، لطلبة وخريجي المعهد، فكيف تقيم ذلك؟ برهن الطلبة ومن ورائهم الأساتذة، رغم العراقيل وخوف البعض من المتكونين، بأن المستقبل للأكاديميين؛ فمهما عرقلوا سيتطور المسرح الجزائري بالتكوين والتكوين فقط، وهذا ما لاحظته من خلال العروض المقدمة في المهرجانات إذ نجد بعض العروض، لا تحوي أدنى معايير التقنية والفنية في المسرح لأن الأهم هو احترام المعايير الأساسية للمسرح من تمثيل وتركيب فني بنيوي درامي للنص؛ وعلينا كمسرحيين أكاديميين أن لا نترك التجارب التائهة تسيطر على المسرح الجزائري• ما مصير الطالب بعد التخرج؟ من المفروض أن مسار الطالب هو الإبداع في المؤسسات الثقافية، لكن وبحسرة نلاحظ أن كثيرا من المسارح الجهوية لا توظف خريجي المعهد، وهذا خطير، لأن ذلك يترك تلك المسارح تدور في حلقات فارغة لا تخرج عن المسرح الهاوي، تحت مظلة الاحترافية ولا تتجدد بعقليات معرفية أكاديمية؛ وأعتبر ذلك خطرا على مستقبل المسرح الجزائري• ماذا يمكن أن يضيف التكوين الفني للعملية الإبداعية؟ المخرج الجيد هو القارئ الجيد، والممثل الجيد هو القارئ الجيد، والسياسي الجيد هو القارئ الجيد وهكذا في كل التخصصات، وبالتالي لا نريد أن يكون الممثل الجزائري غير مثقف ولا يملك الحد المعرفي الأدنى، ولا يعرف مثلا أقل تصور بدايات تاريخ الحضارات والفن أو البديهية الديكارتية أو الدياليكتيكية الهيجلية، لذلك يبقى الممثل المتكون أحسن من غير المتكون مهما أبدع ويبقى التكوين مهما في جميع الفنون في كل العالم وليس في الجزائر فقط؛ والمسرح يتطور بالأكاديمية حتى نجلب جمهورا مثقفا من الثانويين والجامعيين، للركح قواعده المعرفية والفنية•