أجمع خبراء جزائريون وأجانب أمس على ضرورة إجراء دراسات معمقة حول الاقتصاد الموازي من أجل وضع تشخيص دقيق لهذه الظاهرة وضبط الآليات المناسبة للحد من انتشارها، فيما دعا وزير التجارة السيد مصطفى بن بادة الفعاليات الوطنية المعنية بالشأن الاقتصادي إلى الإسهام في القضاء على هذه الظاهرة، مبرزا أهمية الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لامتصاص كافة أشكال التجارة غير الرسمية، ومنها تخصيص 14 مليار دينار لوزارتي الداخلية والتجارة والاستثمار في الفضاءات والهياكل التجارية. وأشار السيد بن بادة خلال الملتقى الدولي حول ''إشكالية الاقتصاد غير الرسمي في الجزائر..سبل الانتقال نحو الرسمية'' الذي نظمته وزارة التجارة أمس بفندق ''هيلتون'' بالعاصمة إلى أن الجزائر لم تتأخر في مكافحة تنامي ظاهرة الاقتصاد الموازي، مؤكدا تعدد الاجراءات التي تم اتخاذها في هذا المجال، ومن أبرزها تلك التي تم إقرارها بموجب قانون المالية التكميلي ,2011 والتي شملت على وجه الخصوص تدابير مرافقة الشباب وإلغاء الرسوم الجبائية على النشاطات غير الرسمية بالنسبة للشباب الذين يتم وضعهم في مواقع محددة، علاوة على الاستثمار في الفضاءات التجارية. كما أكد الوزير بأن البرنامج الذي تم إقراره بين وزارته ووزارة الداخلية والجماعات المحلية والمتضمن وضع آليات لامتصاص ظاهرة الاقتصاد الموازي من خلال وضع الشباب في أماكن مهيأة للتجارة لازال جاريا، مشيرا إلى أن هذا البرنامج خصصت له الحكومة 14 مليار دينار، منها 4 ملايير لوزارة الداخلية والجماعات المحلية و10 ملايير دينار لوزارة التجارة. وفي حين ذكر بإصدار وزارته مؤخرا لنص تنظيمي يتعلق بإنشاء اللجنة الولائية الخاصة بالعمران التجاري، وكشف عن مرسوم يجري التحضير له لتنظيم الفضاءات التجارية وضبط عمل المتدخلين فيها، اعتبر ممثل الحكومة في تصريح للصحافة على هامش الملتقى بأن كل هذه الإجراءات تبقي غير كافية للقضاء على الظاهرة، مشددا على ضرورة إسهام جميع الفعاليات المؤهلة من طلبة وأساتذة جامعيين وإعلاميين، في مهمة التعريف بمخاطرها وتوعية المتعاملين الاقتصاديين بأضرارها. وأثار السيد بن بادة صعوبة ضبط أرقام محددة لتشخيص حجم الإقتصاد الموازي بالجزائر، مشيرا إلى أن بعض الإحصاءات غير الرسمية تحددها بين 20 و40 بالمائة من النشاط الإقتصادي ككل، موضحا بأنه يعتبر شخصيا بأن الاقتصاد الموازي الذي يضر الاقتصاد الوطني ليس ذلك الذي يظهر للعيان وإنما يتمثل في كتل السيولة الهامة التي يتم تداولها خارج القنوات المصرفية الرسمية، لا سيما وان هذه التعاملات تضع في المحيط غير الرسمي غالبية المتعاملين الرسميين، مما يؤكد ضرورة عصرنة وسائل العمل والمراقبة ومنها السجل التجاري الإلكتروني وتعميم الصك وغيرها من وسائل الدفع الحديثة. وفي سياق متصل أكد السيد بن بادة بأن الحكومة لم تتخل عن مشروع فرض استعمال الصكوك عند التعامل بقيم مالية محددة، موضحا بأن سبب توقيف هذا الإجراء تم بتوجيهات من رئيس الجمهورية، وذلك بغرض التحضير الجيد للأرضية وبعث نقاش واسع مع المتعاملين والشركاء قبل الشروع في تطبيق هذا القرار المهيكل. كما اعترف من جانب آخر بتعامل الحكومة بمرونة مع بعض الإجراءات. من جانب آخرأرجع الوزير أسباب ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية وخاصة منها الخضر إلى التقلبات الجوية الأخيرة والأضرار المترتبة عنها، متوقعا أن تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي في الأسابيع القليلة القادمة. وقد ميز الملتقى الدولي حول الإقتصاد غير الرسمي مداخلة الخبير البيروفي هيرموندو دي سوتو بولار المتخصص في الموضوع، والذي يربط مفهوم الظاهرة بمفهوم القانون، ويفسر حجم انتشارها بالقدرة على التوصل إلى تقنين النشاط في أي بلد من البلدان، وهو ما يشرح حسبه الانتشار المذهل لظاهر الاقتصاد غير الرسمي في الدول التي تفرض ملفات ثقيلة للتسجيل في الهيئات العمومية المنظمة للنشاط الإقتصادي. كما ربط الظاهرة بأسباب أخرى تتعلق بنقص الإعلام وبثقافة كل بلد. ويعتبر الخبير بأن حل ظاهرة الإقتصاد غير الرسمي لا تكمن في قمعه فقط وإنما في وضع آليات تحفز الناشطين في مجاله على الالتحاق بالنشاط الرسمي، على غرار خفض تكاليف النشاط الرسمي مقارنة بالنشاط غير الشرعي، خاصة وان هذا الأخير أصبح ملازما لبعض المصاريف الإضافية غير المتوقعة مثل ''الرشوة''، وإدراج المزايا التي يستفيد منها النشاط الموازي في الإطار الرسمي والقانوني. ولم يتوان السيد ديسوتو في هذا الإطار في التأكيد على أن المسؤولية الأولى في تحويل الإقتصاد من الإطار غير الرسمي إلى الرسمي تقع على السياسيين. ومن بين الأفكار الرئيسية التي تمحورت حولها مداخلات ومناقشات الخبراء خلال الملتقى، تلك المرتبطة بإشكالية ترسيم الإقتصاد الموازي لأنه يضر بالاقتصاد الكلي أو تشجيعه بالنظر لمساهمته في النمو الإقتصادي وفي امتصاص البطالة، وفي هذا الإطار أبرز الخبير الفرنسي جاك شارمس الذي تضمنت مداخلاته بعض الإحصاءات التي جمعها في إطار دراساته حول الظاهرة بمختلف بلدان العالم، ومنها بدول شمال إفريقيا حيث قدرت نسبة القطاع الموازي في مجال التشغيل بقطاع الفلاحة في نهاية ,2010 بنحو 58 بالمائة من مجمل مناصب الشغل التي يوفرها القطاع المذكور، منها 6,45 بالمائة في الجزائر، بينما قدر إسهام القطاع الموازي في الناتج الداخلي الخام في سنة 2003 حسب نفس الخبير ب26 بالمائة على مستوى كل دول شمال إفريقيا و27 بالمائة في الجزائر.