يشد الناخبون الفرنسيون والمرشحون لخوض السباق إلى قصر الاليزيه أنفاسهم يوما قبل إجراء الدور الأول لانتخابات حاسمة سيتأرجح فيها كرسي الرئاسة بين حزب اشتراكي ابعد عنه منذ رحيل الرئيس فرانسوا ميتران وبين يمين يريد المحافظة على عرش بقي محل اهتزازات متواترة منذ وصول الرئيس الحالي إلى سدة الحكم قبل خمس سنوات. وكانت الحملة الانتخابية التي نشطها أهم مرشحين في هذا السباق، الاشتراكي فرانسوا هولاند والاتحاد من اجل الحركة الشعبية الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي محتدة بين مقاربتين متعارضتين حد التنافر سارت في بعض الأحيان في أجواء من الديمقراطية ولكن ذلك لم يمنعها من الخروج عن إطارها ووصلت حد الاتهامات الشخصية لدحض الآخر والتشكيك في قدراته على قيادة بلد بحجم فرنسا. وإذا كانت عمليات سبر الآراء المتلاحقة التي أنجزت لصالح هذا المرشح أو ذاك أو من طرف هذه الجريدة أو تلك سارت في اتجاه تغليب كفة هولاند على حساب غريمه ساركوزي فإن هذا الأخير لا يريد لأن يظهر بمظهر الضحية الخاسر قبل الأوان مؤكدا في كل مرة أن تلك التكهنات ما هي سوى أرقام لا تعكس درجة شعبيته في مجتمع امن بأفكاره واعتقد انه سيجعل من فرنسا القوة الفاعلة على الساحة الدولية والقادرة على حل مشاكلها الداخلية. ولأن السياسة هي فن الممكن والغاية فيها تبرر الوسيلة فإن ساركوزي الذي استقطب الاهتمام منذ البداية راح يؤكد ويعيد انه الرجل الذي يجب أن تبقى مقاليد السلطة بين يديه لأن السياق الدولي لا يسير بالضرورة في الاتجاه الاشتراكي أو الأفكار الاجتماعية البعيدة عن الواقعية الاقتصادية التي فرضتها التحولات التي عرفها العالم والأزمات المتلاحقة التي ضربت آلته منذ أزمة العقار سنة .2007 وهو نفس الخطاب الذي رفعه في اول عهدة له سنة 2007 عندما أراد أن يقحم النمط الانتخابي الأمريكي على مجتمع فرنسي وراح يضرب الحديد وهو ساخن كما يقال دون مواربة ولا تنميق عندما كان يستعرض تصوراته وحلول قضايا بلاده الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية وهو ما جعله يقضي على منافسيه بأكثر من 53 بالمئة من أصوات الناخبين. ولكنه بعد فترة وجد نفسه عاجزاعن تحقيق وعوده بعد أن جعل من فرنسا مجرد منفذ للاستراتجية الأمريكية في العالم ووجد قطار فرنسا الاقتصادي يسير بسرعة السلحفاة إلى درجة أصبحت فيها مؤشرات الاقتصادية تنذر بإفلاس وعجز عن الدفع تماما كما حصل لاسبانيا واليونان وايطاليا. والمفارقة أن الوهج الانتخابي الذي اكتسبه ساركوزي الذي ادعي الدفاع عن الديغولية ولكنه لا يجد حرجا في الطعن فيها عندما انساق وراء قرارات الإدارات الأمريكية وافقد بلاده ''حرية'' سياستها الخارجية، لم يتمكن بعد خمس سنوات من الاحتفاظ بتقدمه ليجد نفسه مرفوضا حتى من ناخبي حزبه واقرب المقربين منه وأولئك الذين مكنوه من الوصول إلى سدة الحكم في فرنسا. ولم يكن تأكيد الرئيس جاك شيراك آخر الشخصيات الديغولية قبل يومين بأنه سيمنح صوته للاشتراكي فرانسوا هولاند بمثابة تأكيد على حقيقة الشعبية التي أصبح يتمتع بها ساركوزي التي تهاوت تباعا وجعلته لا يستطيع مجاراة منافس اشتراكي عرف كيف يتعامل مع أوضاع بلاده بنفس اللغة البراغماتية ولكن بكثير من اللباقة السياسية والحنكة الدبلوماسية رغم أن ساركوزي لا يفوت فرصة إلا واتهمه بالفاقد للتجربة والذي سيدفع بفرنسا إلى الهاوية. وهي ورقة لم تقنع كثيرا وجعلت المرشح الاشتراكي يأخذ بمثال الرئيس الأمريكي باراك اوباما الذي لم يسبق له أن مارس السياسة ولكنه استطاع أن يتعاطي مع اعقد القضايا الداخلية والخارجية لأكبر قوة عالمية وأهلته لان ينال ثقة الأمريكيين الديمقراطيين منهم والجمهوريين. وأحس ساركوزي وهو في نهاية الحملة الانتخابية أمس وبعد أن جد الجد وحانت ساعة الحقيقة ليقول بلغة فيها الكثير من الاستكانة السياسية انه وجد نفسه وحيدا في مواجهة تسعة مرشحين آخرين بلهجة حملت استعطافا باتجاه الناخبين بان يعوا هذه الحقيقة وان يمنحوه أصواتهم. ولم يكتف الرئيس الفرنسي الحالي بعد أن شحت مبررات الإقناع لديه سوى التسلل إلى وعاء الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة عندما جعل من معاداة الإسلام والمسلمين والهجرة والمهاجرين شقا خطابيا لعله يكسب ود اليمين العنصري تجاه كل ما هو أجنبي. ولم يكن ذلك ليمر هكذا دون أن يثير حفيظة مارين لوبان خليفة والدها جون ماري لوبان التي ثارت وأكدت أن ساركوزي منافس غير نزيه وكان الأجدر به أن يبقى في خطاب حزبه . وإذا كانت كل عمليات السبر ترشح هولاند وساركوزي لتنشيط الدور الثاني من هذه الانتخابات فان نتائج الدور الأول ستكون حاسمه لتحديد لمن ستميل كفتها على ضوء التحالفات التي يمكن لهذا لمرشح وذاك ربطها مع المرشحين الآخرين وخاصة مارين لوبان اليمينية المتطرفة التي ترشحها عمليات السبر للفوز ب 15 بالمئة من الأصوات وجون ليك مليونشون مرشح الشيوعيين وأقصى اليسار الذي اخلط كل التكهنات الانتخابية بعد أن تمكن في ظرف قياسي لان يكون ثالث المحظوظين عندما نادى بالجمهورية السادسة التي شكلت خطابا جديدا على كل الفرنسيين وأهلته لان يحظى بحوالي 13 بالمئة من أصوات الناخبين المحتملين.