ينتظر أن يصل كوفي عنان الموفد الأممي والعربي المشترك اليوم إلى العاصمة السورية دمشق في ثاني زيارة له إلى سوريا في إطار مهمته لإنهاء دوامة الحرب الأهلية غير المعلنة في هذا البلد منذ أربعة عشر شهرا وخلّف في آخر إحصاء أكثر من 13 ألف ضحية. والمفارقة أن عنان الذي يحل بسوريا لمعاينة مدى التقدم المسجل في تنفيذ بنود قرار الهدنة المعلنة بين الفرقاء عاد وقد عرف الوضع العام تأزما وبمزيد من الأرواح المزهقة في كل يوم وبمنحى تصاعدي أكثر من ذلك الذي عرفته الأوضاع قبل إعلان اتفاق وقف الاقتتال الذي دخل حيز التنفيذ منذ الثاني عشر أفريل الماضي. ولم تكن مجزرة مدينة الحولة بمحافظة حمص اول أمس التي خلفت اكثر من 100 قتيل نصفهم من الأطفال والنساء إلا اكبر مؤشر على حقيقة الانزلاق الذي آل إليه الوضع الأمني في بلد يصر فيه الفرقاء على رفض التنازل للآخر رغم انتشار قرابة 300 ملاحظ أممي تم تسخيرهم من اجل مراقبة مدى احترام وقف إطلاق النار بين قوات الأمن النظامية وبين عناصر الجيش السوري الحر المناوئة لها ولكنهم بدلا من أن يكونوا شهودا على عودة الاستقرار والهدوء إلى المحافظات السورية المتوترة، أصبحوا أهدافا مفضلة لعمليات تفجير وقنص راح كل طرف يحمل الطرف الآخر مسؤولية ذلك. هذا الوضع المأساوي يجعل من زيارة كوفي عنان اليوم إلى سوريا للقاء الفرقاء عديمة الجدوى بل هي اقرب إلى مضيعة للوقت منها إلى مهمة وقف الاقتتال لأن الموفد الاممي سيسمع نفس الخطاب وردود الفعل التي سبق وان سمعها في زيارته الأولى في العاشر مارس الماضي عندما حصل على التزام الأطراف بوقف اقتتالهم ولكن ذلك لم يكن سوى مجرد مواقف شكلية غطت على مواقف فعلية على الأرض. فقد سارع وزير الخارجية السوري وليد المعلم في اتصال مع كوفي عنان إلى تحميل المعارضة المسلحة مسؤولية تلك المجزرة قبل أن تبادر الحكومة السورية بفتح تحقيق لمعرفة ملابسات ما حدث والواقفين وراء مجزرة لم يسبق أن استهدفت أطفالا ونساء في مشاهد مرعبة أثارت استنكار كل المجموعة الدولية.ولكن المعارضة السورية لم تنتظر هي الأخرى طويلا وسارعت هي الأخرى إلى اتهام قوات الأمن السورية بالوقوف وراءها محذرة من أن كل تماطل من المجموعة الدولية سيدفع بها إلى توسيع رقعة المواجهات ضد القوات النظامية. وأكد الجيش السوري الحر المشكل من منشقين عن الجيش النظامي انه في حالة عدم تحرك مجلس الأمن واتخاذه لقرارات استعجاليه لحماية المدنيين فإن خطة كوفي عنان سيكون مآلها إلى الجحيم''. ويبدو أن هذه العملية ستكون المنعرج في كيفية تعاطي المجموعة لدولية معها بعد أن تعالت الأصوات داخل سوريا وخارجها منادية بإدراج تلك الأحداث الدامية في خانة جرائم ضد الإنسانية. وهي القناعة التي تم تداولها في لندن التي طالبت باجتماع عاجل لمجلس الأمن مرورا بباريس وبرلين ووصولا إلى واشنطن التي أجمعت سلطاتها على استنكار المجزرة التي حملتها على عاتق القوات النظامية وهو موقف لم يرق لأن يرضي المعارضة السورية التي نعتت تلك المواقف بالمتخاذلة. ولم تقتصر هذه المواقف على الدول الغربية فقط بل شملت أيضا دولا عربية دعت هي الأخرى إلى اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية لبحث التطورات ''الخطيرة'' التي تشهدها سوريا. وأكدت الكويت التي تضمن الرئاسة الدورية للجامعة العربية على ضرورة التحرك العاجل من اجل اتخاذ الإجراءات العملية لوقف ما أسمته ب''قمع الشعب السوري''.