لا شيء ينبئ أن المعضلة السورية سائرة نحو التسوية النهائية بسبب تباعد مواقف الفرقاء وتعارضها حد الجفاء التام، بل القطيعة النهائية في تنافر قد يزيد من تعقيد الموقف ويبقي على لغة السلاح الوسيلة الطاغية في مشهد مأساوي تتواصل أطواره منذ عام كامل. ويبقى مثل هذا الوضع قائما وقد تمسك كل طرف بموقفه المبدئي الرافض لمقاربة الآخر في معادلة استحال فيها على المجموعة الدولية إيجاد أرضية توافقية يمكن اعتمادها من أجل التوصل إلى حل نهائي. وعندما كان الكل يعتقد أن لقاء وزير الخارجية الروسي بنظرائه في الجامعة العربية سيكون نقطة التحول في تداعيات هذه الأزمة؛ عرف الموقف تشنجات جديدة عندما صعدت العربية السعودية من لهجتها متهمة ورقة النقض الروسية في وجه مشروع قرار عربي غربي بأنها تشجع دمشق على مواصلة عمليات القتل، في وقت أكد فيه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه لا حوار إلا إذا اقتنع الجميع بأن العنف لابد أن يتوقف من كل الأطراف، في تلميح إلى أن النظام السوري ليس الوحيد المتسبب في عمليات القتل. وحتى وإن اقتنع رئيس الدبلوماسية الروسي ونظراؤه العرب أمس في أول اجتماع لهم بالقاهرة على ضرورة التوصل إلى ''وقف نهائي لإطلاق النار ومن كل الأطراف''؛ فإن ذلك لن يكون من وجهة نظر عملية أمرا سهل التنفيذ إذا راعينا واقع الحال في سوريا ودرجة الانزلاق الذي بلغه. ويمكن القول إن توصل اجتماع القاهرة إلى هذا الاتفاق كان أمرا مفروضا لحفظ ماء الوجه وحتى لا يتحمل كل طرف مسؤولية الانسداد الحاصلة في المشهد السوري. وإذا راعنيا الأجواء التي سبقت لقاء لافروف ووزراء الخارجية العرب والشحناء التي ميزت كل التصريحات التي سبقته، نجزم القول إن حل الأزمة السورية ليس غدا. وقد قطع الموقف القطري، أمس، الشك باليقين، عندما أكد أن العرب لا يقبلون بأي حل آخر للأزمة السورية من غير رحيل الرئيس بشار الأسد وأن الوقت قد حان لإرسال قوات عربية ودولية للفصل بين الإخوة الأعداء في سوريا. وهي القناعة التي دافع عنها وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل الثاني، أمس، بنفس حدة مواقف بلاده إزاء ما يجري في سوريا وبقناعة أن أعمال العنف بلغت الحد الذي لم يعد يطاق. وعندما ندرك أن أمرا بمثل هذه الأهمية لا بد أن يعرض على مجلس الأمن الدولي وأن مواقف دولة مثل روسيا يبقى أساسيا لتمريره، ندرك أن درجة الانسداد بقيت هي نفسها وإن لم نقل اشتدت أكثر على اعتبار أن موسكو لا تريد سماع مثل هذه المقاربات التي تهدف إلى تدويل قضية داخلية ترفضها من أساسها. ويبقى المقترح القطري الذي تدعمه العربية السعودية بشكل علني مجرد أمنية قد لا تتحقق إذا استمرت المواقف على ما هي عليه وفي وقت شدد فيه الرئيس بشار الأسد للموفد العربي الأممي كوفي عنان الذي استقبله أمس بالعاصمة دمشق أن أية مفاوضات مع المعارضين لنظامه مآلها الفشل مادامت هناك جماعات إرهابية في سوريا. وهو النعت الذي تطلقه دمشق على المعارضين لها بينما يؤكد هؤلاء أن من يسميهم الأسد بالجماعات الإرهابية هم عناصر الجيش السوري الحر الذي يجب أن تقتنع السلطات السورية بوجوده كحقيقة قائمة في مشهد سياسي وأمني ما انفكت ضبابيته تزداد كثافة واستحال معه معرفة حقيقة ما يجري في هذا البلد والوجهة التي ستأخذها أزمته في الآجال القريبة والبعيدة. لكن تضارب هذه المواقف تؤشر - من جهة أخرى - على أن مهمة كوفي عنان لن تكون سهلة وأنه قد يفشل فيها رغم حنكته ومساره الدبلوماسي الزاخر انطلاقا من دوره في تسوية أزمات لا تقل تعقيدا عن راهن المشهد السوري على اعتبار أن الأمين العام الأممي السابق قبل بالمهمة الموكلة إليه بهدف وقف الاقتتال وإجلاس السلطة والمعارضة السورية إلى طاولة مفاوضات واحدة. وهي مراهنة تبقى في دائرة التمني إذا أخذنا بعين الاعتبار موقف ونظرة كل طرف تجاه الآخر؛ فالسلطات السورية تنظر إلى معارضيها على أنهم منفذو مؤامرة مملاة عليهم من الخارج، بينما ينظر هؤلاء إلى النظام السوري على أنه نظام طاغ وقاتل يجب أن يرحل بما يجعل من مسألة إجلاسهم إلى الطاولة بالأمر المستحيل اللهم إلا إذا بلغ تعفن الوضع درجة لا تحتمل واقتنع الطرفان أن جلوسهما وجها لوجه أمر لا مفر منه. وهو التشاؤم الذي يضاف إلى درجة التشاؤم التي أصيبت بها الدبلوماسية الأمريكية، أمس، عندما اقتنعت أن مشروع القرار الأممي الجديد الذي تعتزم عرضه على أعضاء مجلس الأمن يمكن وصفها باليائسة إذا سلمنا بالرفض الذي سيلقاه من طرف روسيا التي ترفض كل فكرة لرحيل آخر حلفائها في منطقة الشرق الأوسط.