في رحلة مزدوجة الاتجاه، يأخذك المخرج هارون الكيلاني عبر مسرحيته الجديدة «ماذا ستفعل الآن؟»، إلى عوالم أخرى تعكس محاولة للبحث عن شكل جديد للمسرح الجزائري بناء على ما هو موجود، ويخص الاتجاه الأول من الرحلة قصة ثأر الطفل من أمه التي وقعت ضحية حادث مرور ويرغم المتسبب للانتحار في الأخير، أما الاتجاه الثاني فهو مرتبط بالذات ومواجهة الحقيقة السيكولوجية للمواطن الجزائري الذي يؤمن بالحرية رغم كل الغربة التي يعيشها في مكنوناته. يجعلك نص «ماذا ستفعل الآن؟» للمخرج هارون الكيلاني عن المسرح الجهوي لسيدي بلعباس الذي دخل منافسة مهرجان المسرح المحترف مساء أول أمس بمسرح محي الدين بشطارزي بالعاصمة، مشدودا لتواصل بقية القصة وكيف سيكون مصير «جلاب» وكيف سيجيب على السؤال الذي يتكرر في كل مرة «ماذا ستفعل الآن؟»، وفي صورة مليئة بالرعب، تناولت المسرحية قصة «جلاب» رجل في خريف العمر يعيش حالة نفسية غير مستقرة نتيجة حادث سير كان قد تسبب فيه أصدقاؤه السكارى بسيارتهم لما كانوا في طريق عودتهم من بيته، حيث اصطدموا بسيارة إسعاف كانت تحمل طفلا صغيرا وأمه ليموتوا جميعا ماعدا الأم، وهي المرأة التي رفض «جلاب» أن يأخذ ابنها إلى المستشفى رغم توسلها وكان بإمكانه على الأقل أن يطلب ذلك من أحد أصدقائه الساهرين عنده تلك الليلة، وبعد الحادث المميت الذي جعل السيدة وحيدة فيما بعد، يعود الأصدقاء كأشباح يقودهم الطفل الصغير ليثأر من «جلاب»، دافعا إياه للالتحاق بأصدقائه بأي شكل وفي أقرب وقت الطفل في سؤال متكرر «ماذا ستفعل الآن؟». يبقى «جلاب» في حالته النفسية القريبة إلى الجنون يرى أصدقاءه الموتى الذين يعودون في شكل أشباح تحت قيادة الطفل الذي لا يكف عن تعذيبه بتذكيره بالحادثة قائلا له «ماذا ستفعل الآن ؟«، وتزوره الجارة بين الحين والآخر لتفقد أحواله وتنظف بيته مبدية تذمرها من الفوضى التي يفعلها بسبب تخيلاته وصراعه مع الأشباح، فيما يحاول إخبارها بقصة هؤلاء وماذا يفعلون به وببيته، ولكن عبثا ينجح في ذلك. ويبقى «جلاب» على حاله إلى أن يأتي اليوم الذي يجيب فيه عن سؤال «ماذا ستفعل الآن؟» وينتحر حرقا داخل حوض الماء الصغير الذي اعتاد النوم فيه. وتم العرض وسط سينوغرافيا بسيطة لم يحتج إلى ديكوره بسيط يتمثل في الغرفة المظلمة وكرسي، وحوض الاستحمام الذي يتحرك على خشبة المسرح، والاعتماد على الاكسسوارات البسيطة والموسيقى والضوء بحيث يشعرك بالرعب الذي يحسه «جلاب» عند حديثه مع أشباحه.