يبرز هذا المقال حقوق اللغات الوطنية وما يجب أن تكون عليه، بناء على الوضع القانوني والحق المدني أو الديمقراطي الذي سنته الدساتير في العالم، وما تعمل به الدول المتقدمة والدوائر والمؤسسات التي تحترم نفسها في المحافل العالمية، وكذا فعل الدول النامية التي تسير على خطى الدول الراقية، وسبق لها أن اهتمت بترقية لغتها الوطنية، وحصل أن ارتقت بلغتها الوطنية، وكانت لها وصفات علاجية قدمتها لمواطنيها في علاج ظاهرة الترقية اللغوية، فنجحت وتقدمت. 7 موقع اللغة العربية في هذه المركزية: إن الجزائر أمة ودولة مركزية بلغة رسمية واحدة منذ الفتوحات الإسلامية لشمال إفريقيا، وبتراتب لغوي خاص: لغة رسمية (عربية) منذ عهد عمر بن عبد العزيز، أي في بداية 100 للهجرة - لغة وطنية (المازيغيات) وكانت لها وظائف تواصلية عادية وليست بلغة السيادة والإدارة - لغات أجنبية، وقد تعددت (إسبانية/ تركية/ فرنسية) مع فترات ومقامات كل واحدة، وقد بقيت آثارها إلى الآن. الجزائر دولة أمة نمت فيها التعددية اللغوية بشكل تراتبي علمي وفق بنيان دم المجتمع وتطلعاته وتاريخه. ومن هنا كان يجب الفصل بين السلطة والدولة الوطنية (الأمة)، فالسلطة زائلة والدولة الأمة باقية، فالمواطن يتعامل مع السلطة بمفهوم الدولة الأمة، وهذا هو الرهان الذي يجب أن نربحه، ومن الحكمة تطوير السلطة إلى الدولة الأمة لبناء مؤسسات تحافظ على المكتسبات وتساير الأحداث ولا تزول بزوال المسيرين. ولكننا في واقعنا نجسد قوة السلطة التي تتعامل مع الحدود الدنيا الضيّقة، ومع واقع متهرئ، فإذا حدث شغب/ مظاهرات تستظهر السلطة ورقة حالة الطوارئ، وتوقف العمل بالدستور، وتلغي كل أشكال الديمقراطية إلى غير رجعة أحيانا، لأن نظرتنا ضيقة جدا، فالسلطة عندنا لها الأمر والنهي، والمؤسسات تخضع لأوامر السلطة، وهنا المفارقة بيننا وبين الدول المتقدمة، فبريطانيا تقدمت بالإصلاحات التي قدمتها منذ القرن السادس عشر، وجسدت فيها قوة الدولة البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس، وجسدت قوة اللغة الانجليزية التي أصبحت لغة علمية عالمية لا يعلى عليها في الوقت الحالي، ولا تحتاج إلى القوانين، وكذلك اللغة الألمانية التي جسدت لغة واحدة من ثلاث لغات كانت متداولة، وأن فرنسا تحضرت منذ الثورة الفرنسية التي جسدت قوة اليعاقبة les jacobites في أنهم أمة فرنسية بلغة فرنسية موحدة، وهي لغة جزيرة فرنسا، وجسدها جول فيري Jules Ferry بما استخدمته من علمية وسلطة وإجبار. وعملت الحكومات الفرنسية على استبعاد كل اللهجات إن لم نقل محوها، وأن الآسيويين منذ اهتمامهم بقضية التعليم ووطنية الثقافة خرجوا من التخلف، وبنوا أمجادهم بلغاتهم التي لا محيد عنها في تجسيد الوجود والهوية... وهذه الأمم المتحضرة لم تعد النظر في ما خططه القدماء، لأنهم كانوا يستهدفون بناء الدولة الأمة، ويخططون للمستقبل وفق أداء الواجبات وأخذ الحقوق، بشريعة الديمقراطية التي تنبع من الدولة الأمة. إن كل الأمم تضع سلامة اللغة الرسمية/ اللغة الأم هي الأساس، حيث تجعل لها علامة أو معامل أعلى يقع الاهتمام بها وفيها، والراسب في الجانب اللغوي راسب مهما حصّل من العلامات، وهكذا يفعل الألمان والفرنسيون. وإن اللغة العربية رأسمال قوي للعرب وللمسلمين وللعالم، ولغة بينية بين المجتمعات العربية، وهي لغة التعليم والتعلم في العالم العربي وعبر العالم، وهي أقوى لغة سامية على الإطلاق، وفي الوقت الحالي لغة التكامل الاقتصادي، ولغة الإعلام ولغة الشابكة. وأما قضية اللغة الرسمية، فهي لغة رسمية لاثنتين وعشرين دولة، ويضاف إلى دول أخرى اتخذت العربية لغة رسمية إلى جانب لغتها، فتأتي في الرتبة الثانية بعد الإنجليزية التي هي لغة رسمية في 48 دولة. علما أن الفرنسية لغة رسمية في 27 دولة، والاسبانية لغة رسمية في 20 دولة، ولكن نجدهما لغتين رسميتين كلغة ثانية. ولقد بات حريا الاهتمام باللغة الأم (العربية) ويعني تسويغ دولة واحدة، ولغة واحدة ووطن واحد باعتبار العربية لغة رسمية لها صفة المركزية والرمز والعلم، وأن تولى لها العناية في التدريس في كل المراحل، وفي مراكز البحوث والدراسات المتقدمة، ولا يعني الانغلاق والابتعاد عن الثقافات الأخرى، ولكن أن تكون للعربية السيادة، باعتبارها لغة الجميع والقاسم المشترك، وهذا المقام حصلت عليه بفضل مزاياها التالية: أداؤها لوظيفة التواصل في كل الميادين، أداؤها لوظيفة التربية والتكوين، أداؤها لعملية الإعلام، أداؤها لخصائص التثقيف، جمعها وشملها الوطني والعربي في وحدة وانسجام.. كل ذلك يجعل منها اللغة التي تعمل على التناغم المجتمعي، وعلى أنها لغة الانسجام الثقافي والسياسي لبناء كيان وطني قوي ومتماسك. ومع ذلك تحتاج إلى: - النفاذ إلى مصادر المعرفة، - الحاجة الى استيعاب المعرفة، - الحاجة إلى التطوير الداخلي. وإنه لا يمكن نكران بعض الصعوبات التي تعاني منها اللغة الرسمية، من مثل: غياب الشكل/ نقص في الترجمة والتأليف/ نقص في كتب قواعد معاصرة/ اضطراب في المصطلح/ ضعف إدارة المسألة اللغوية/ افتقارها إلى سياسة لغوية كافية/ تقصير المجتمع في حماية لغته/ العداء الداخلي والخارجي/ ضعف الإرادة السياسية... ولكن هذه الأمور سوف تُحلّ إذا وقع الاهتمام بها وتجسدت لغة مركزية بتأهيل متكلميها إبلاغا وثقافة ومعرفة، بهدف تعزيز الهوية، والوعي بأن العربية في تنوعها ومستوياتها هي كل يمثل الهوية اللغوية للمواطن العربي، إضافة إلى وضع الخطط اللغوية ووسائل النهوض، وإقامة المؤسسات وسن التشريعات، وضرورة ربطها بالتنمية الاقتصادية وتنمية مجتمع المعرفة. 8 واجبات الدولة تجاه اللغة الرسمية: إن ارتباط اللغة بالقانون مجال خصب لتداخل المعارف وتضافرها، كما أن استعمال اللغة الرسمية من قبل الدولة التي يكسبها قيمة في نظر المواطنين، ولذا فإن اضطلاع الدولة بمهامها اللغوية مسؤولية لا مجال للخوض فيها، فمن أهم واجبات الدولة تدبير الوضع اللغوي للغة الرسمية عبر: 1 تنمية اللغة أو اللغات الوطنية 2 إيجاد حل متوازن للعلاقة مع لغات الأقليات الداخلية إذا اقتضى الحال، 3 تنمية اللغة الإنجليزية بوصفها لغة التواصل الدولي والبحث العلمي والتكنولوجي المتقدم. 4 تنمية اللغات الأجنبية الأخرى بقدر ما تمثله من منفعة في العلاقات مع الدول القريبة أو الصديقة. (يتبع)