احتشدت الكثير من المنابر الاعلامية - الصادرة بالفرنسية طبعا - في حرب علنية ضد عبد العزيز بلخادم، أشهرت فيها كل الأسلحة، المسموح بها وكذا الممنوعة! أما التهمة، هذه المرة، فهي الدفاع عن اللغة العربية، وهي اللغة الوطنية والرسمية بنص الدستور والقانون، وكذا الدعوة لفتح نقاش حول التدني الموجود في لغة التدريس والبحث العلمي• والذي يتابع تلك الحملة، يستنتج بوضوح، أن المطلوب هو أن نلتزم الصمت فلا يرتفع لنا صوت، أن نغلق عقولنا فلا نفكر وأن نضع عواطفنا في الثلاجات حتى لا تتأثر أو تشتكي• وراحت تلك المنابر بعيدا في التهجم وفي إطلاق الأحكام وفي التحريض، وفي الدعوة إلى الاستنفار لمواجهة "التهديدات" التي قد تهز العروش والممالك أو تضرب الامتيازات والمكاسب• لقد تحدثت إحدى الصحف عن "الشياطين" - أي دعاة العربية والتعريب - وذهبت أخرى، في معرض الانتقاد والتهجم والاستهتار، إلى التساؤل عن الفائدة من طرح موضوع اللغة العربية، في وقت يحصد الارهاب أرواح الجزائريين وتلهب الأسعار جيوب المواطنين ! هكذا إذن، دق "معسكر" المفرنسين- وأتحدث هنا عن المسكونين بالثقافة الفرنسية- طبول الحرب وخاض حملة ضارية، أراد بها تصفية حساباته مع اللغة العربية ومع كل من ينبري للدفاع عنها، وهي المحاصرة في عقر دارها وبين أهاليها• وبعيدا عن "الشياطين" والذين يحبون الحديث عنهم والاستعانة بهم، لا بأس من أن نطرح هذه التساؤلات، وعلى الذين اغتاظوا من مجرد الدعوة إلى إعادة الاعتبار للغة العربية، أن يجيبوا عنها بهدوء، بلا تشنج، بلا اتهامات، بلا دعوات تحريضية أو محاولة لإثارة الصراع بين مفرنسين ومعربين أو استجداء ب "الشياطين"، وهم ملعونون في كل الأحوال• يقول السؤال الأول: هل حان الوقت لنفصل في المسألة اللغوية أم لا، من منطلق دعم اللغة العربية وأختها الأمازيغية والانفتاح على اللغات الأخرى، فرنسية وانجليزية واسبانية وألمانية•• وغيرها• هل يختلف إثنان، بما في ذلك أولئك الذين استبد بهم الغضب إلى حد الهستيريا، على أن الطالب الجزائري اليوم، نتيجة فوضى تعدد اللغات، لا يمتلك ناصية الفرنسية ولا العربية ولا حتى السواحلية• يقول السؤال الثاني: هل الدعوة إلى احترام اللغة العربية والارتقاء بها وتمكينها من احتلال مكانتها الطبيعية كلغة تدريس وعلم وإدارة، هي تعبير عن الاعتزاز بالهوية والكرامة الوطنية، أم العكس؟ هل يختلف إثنان، بما في ذلك أولئك الذين ثارت ثائرتهم وأطلقوا العنان لقاموس الشياطين، على أن الإفلاس الذي تعاني منه الجزائر - هكذا يروجون - إنما هو بسبب اللغة الفرنسية المهيمنة على كل دواليب الدولة، وذلك كله يؤكد أن الفرنسية في الجزائر هي "هزيمة حرب" وأنها "أم الكوارث" بامتياز• يقول السؤال الثالث: هل هناك صحفي في فرنسا أو أمريكا أو حتى إسرائيل يطعن باسم حرية التعبير في لغة شعبه، إلى درجة أن إحدى الصحف قالت إن الجزائر إذا عممت استعمال اللغة العربية ستوقف زحف التقدم والتكنولوجيا في البلاد وتفرض على نفسها الانغلاق• لماذا لم نسمع لتلك المنابر الإعلامية، التي ارتفعت نبرتها ساخطة ومنددة، أي صوت، ولو كان خافتا، من أجل اللغة العربية؟•• وهل حقا أن الدعوة إلى الارتقاء بلغة الشعب تشكل استفزازا للمفرنسين وتهديدا لهم في وظائفهم وأنها علامة تقسيم للجزائريين بين مفرنس ومعرب؟• ويقول السؤال الرابع: هل هناك دولة واحدة في العالم نجحت في إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية بلغة أجنبية وعلى حساب لغتها الوطنية؟ هل يختلف إثنان، بما في ذلك أولئك الذين نصبوا أنفسهم وكلاء لخدمة اللغة والثقافة الفرنسية، على أن الصين واليابان وكوريا ونمور آسيا، قد نجحت كلها ووصلت إلى مصاف الدول المتقدمة بلغاتها الوطنية• أما السؤال الأخير فيقول: هل هناك وحدة وطنية بدون وحدة لغوية؟•• إن الوحدة الوطنية هي وحدة الشعب، التي ترتكز أساسا على وحدة الثقافة في ثوابتها الأساسية، وتأتي في مقدمتها وحدة اللغة• ولا يختلف إثنان، إلا أولئك الذين يريدون أن تصبح الجزائر جنينا لقيطا يبحث عن دار للحضانة وراء البحر، على أنه لا يمكن للجزائر أن تبقى موحدة الشعب والهوية والسيادة بدون سيادة للغة الوطنية والرسمية التي هي العربية• يحضرني في هذا المقام المناضل الكبير الأمين دباغين الذي رد على الذين طالبوه بأن يكون راقيا في فرنسيته بقوله: "إني أستخدم اللغة الفرنسية ولا أخدمها••"• ولنا أن نقارن ذلك بما قاله أحد زعماء الأحزاب في بلادنا: "إن العروبيين يجرون الجزائر إلى هوية مزيفة على حساب انتمائنا المتوسطي (•••) إن العربية لن تصبح اللغة الرئيسية في هذا البلد، هذا لا يمكن أن يحدث"•• أليس ذلك حربا استئصالية ضد الحرف العربي وما يمثله• إن ثمة فرقا بين التمكن من اللغات الأجنبية، وهو ما يجب تحبيذه، وبين طرح هذه اللغة الأجنبية أو تلك بديلا عن اللغة الوطنية، وهو ما يمكن اعتباره تفريطا في الهوية والسيادة وفي العرض الثقافي والحضاري والسياسي أيضا• كل الشعوب والدول التي ترفض إدارة ظهرها للعولمة العلمية والتقنية والاقتصادية وتتفاعل معها، مثل اليابان وكوريا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وحتى إسرائيل، إنما تفعل ذلك بلغاتها، كيف تخفى هذه الحقيقة الصارخة على الذين يناصرون الفرنسية في الجزائر ويعلنون العداء للعربية؟ وبما أن "القوم" عندنا، قد انتفخت فيهم الأوداج غيظا وغضبا وأخذتهم حمية الجاهلية دفاعا عن الفرنسية، لا بأس من أن نحيلهم إلى موقف فرنسا من لغتها الوطنية، والذي نعتبره نموذجا لاعتزاز الدولة بلغتها وثقافتها وانتمائها واحترامها لنفسها ودفاعها عن كبريائها الوطنية• نورد هذا المثال، فقد تكون فيه العبرة لمن توهموا أن التمكين للفرنسية على حساب العربية سيقود الجزائر إلى التنمية والانفتاح، يقول المثال: إن برلمان الثورة الفرنسية صادق قبل أكثر من قرنين على قانون صارم لتعميم اللغة الفرنسية، مما جاء فيه:"كل من يخالف القانون ويحرر وثيقة بغير اللغة الفرنسية يطرد من الوظيفة ويسجن ستة أشهر"• وأصدرت فرنسا قانونا آخر بمناسبة الاحتفال بذكرى مرور قرنين على صدور ذلك القانون، حمل اسم "قانون لزوم الفرنسية"، نص على "منع أي مواطن من استخدام ألفاظ أو عبارات أجنبية••". هكذا تحمي فرنسا لغتها، وهكذا ينصب البعض منا نفسه وكيلا وحاميا للغة أجنبية، وفي الوقت نفسه مطاردا ومحاربا للغة شعبه! ويبقى هذا السؤال: من هم "الشياطين" الذين عادوا•• الذين يتوهمون أن الحديث، مجرد الحديث عن اللغة العربية هو عدوان على الفرنسية والمفرنسين وإثارة لتلك النعرة الخبيثة التي تثير الفتنة بين الجزائريين• أحلى الكلام كتب إليها يقول: آن الأوان، حبيبتي، لكي أبوح لك بما يجتاح قلبي•• إني معك الآن كما كنت معك في كل حين، هذي أنت في حدقة العين تسكنين، أنا معك حيث تكونين، قريبة أو بعيدة، ليس لي غير حبك• دعيني، يا حب العمر، أن أعرفك بنفسي، فقد يكون حبي لم يلامس شغاف قلبك، قد يحدث أنك لم تقدري حبي لك وحرصي عليك• أنا يا سيدتي: عاشق لك وحدك دون سواك، ذلك هو إسمي، أما عنواني فهو قلبك الذي هو قلبي، وهل تعلمين أن تاريخ ميلادي هو يوم أن ابتسمت لي الحياة ورأيت وجهك الجميل وجاءني صوتك الدافئ يعلن ولادتي في مملكتك، فكنت وجه السعد وأول الخير• لا بأس، يا ملاكي، أن أعرفك بنفسي، فقد تكونين لم تقتنعي بحبي•• أنا، أيتها الأميرة الغالية، الذي اختصر الكون في عينيك، أغادر نفسي وألجأ إليك، احتل حبك قلبي وأصبحت أنت حياتي• ذلك هو أنا، لا أغفو إلا على بهاء وجهك وحلاوة ابتسامتك وهمس صوتك، صرت لا أعرف نفسي إلا بنبضات قلبك•• أنت شمعة ليلي وعطشي لا يرتوي إلا من ماء عينيك• أعرفك بنفسي، يا كل العمر يا عمري•• أنا المجنون بحبك، أفتقدك، أنا أحبك، أشتاق إليك، يا أحلى قدر في حياتي، وكيف لي، أيتها الحبيبة، أن أصف حبي لك وحبك في قلبي واسمك في وجودي•• ومهما تبتعدين، فعندي أمل، أنك غدا أو بعد غد ستعودين• بربك، إذا هفا لك القلب ولم أجدك، كيف أعيش، لو رحلت عني كيف تكون حياتي وأنت حياتي• سعيد أنا، يا سيدتي، لأني أستمد النور من ضياء عينيك، ولأن أحلى ما في حياتي حبك، ولأني لم أعرف نفسي إلا بعد أن عرفتك• محظوظ أنا بوجودي في حياتك•• واعذريني إن لم أستطع حتى الآن أن أقنعك كم أحبك• "الأمة التي لا تحترم لغتها ودينها وتاريخها، لا ينظر إليها إلا بعين الاحتقار••"•