طفت فكرة تنظيم المهرجان الدولي لترقية العمارة بالطين خلال معرض “أراضي إفريقيا وأماكن أخرى” الذي أقيم سنة 2009 في إطار المهرجان الثقافي الإفريقي الثاني بالجزائر، حيث اكتشفت البنايات في الجزائر التي أنجزت وفق هذه التقنية منذ غابر العصور، والتي لا تزال معمولا بها في بعض المناطق اليوم، فرأت وزارة الثقافة أنه من المهم تنظيم الطبعة الأولى للمهرجان بالجزائر العاصمة بداية من اليوم إلى غاية 22 نوفمبر الجاري. التظاهرة الموجهة أساسا لطلبة الهندسة المعمارية والهندسة المدنية والشعب الملحقة بها، تقام في المدرسة متعددة التقنيات للهندسة المعمارية والعمران بالعاصمة، كما تعني كل المحترفين من ممارسين وباحثين ومدرسين، إذ جاء إنشاء هذا المهرجان ثمرة لعدة مبادرات اتخذت في السنوات الأخيرة تحت إشراف وزارة الثقافة وبالتنسيق مع المهندسة المعمارية ياسمين تركي، وهي مختصة في المعالم التاريخية تهتم منذ سنوات بالفن المعماري بالطين، عُينت محافظة للمهرجان. فبعد معرض “أراضي إفريقيا وأماكن أخرى” خلال المهرجان الثقافي الإفريقي الثاني، حيث أبرزت بعض عناصر المعرض نطاق استعمال تقنية فنون العمارة بالطين في القارة الإفريقية وفي كل العالم وكذا مزاياه، أثير في العام الماضي في إطار احتفالية “تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية” موضوع العمارة بالطين في شكل معرض كبير بعنوان “من تراب وطين” أقيم في قصر المعارض بتلمسان، وطرح الموضوع على مستوى العالم الإسلامي، تم الاعتماد فيه على عرض صور عالية الجودة تستجيب لشروط التوضيح، وشمل المعرض كذلك صورا التقطت من الجو ومن الأرض لثلاثة عشر قصرا من قصور الصحراء الجزائرية، وكانت هناك مجسمات أثرية وشاشات من نوع بلازما وعينات من الطين ومن الرمال وأغراض متنوعة ووثائق. وترمي وزارة الثقافة من وراء إقامة المهرجان الدولي لترقية العمارة بالطين، للاستجابة لأمنية المحترفين والكثير من الزوار الذين تمنوا أن توضع هذه التقنية في إطارات ترقية دائمة ودورية على غرار المهرجان، من أجل توعية المجتمع بأهمية التراث وثرائه ولتشجيع البحث والممارسة المعاصرة في هذا المجال. في هذا الصدد، أكدت محافظة المهرجان ياسمين تركي أن هذا الموعد الجديد الذي تم ترسيمه مؤخرا يندرج في إطار استراتيجية تأهيل صورة هندسة الطين التي تقوم بها وزارة الثقافة من خلال المركز الجزائري للتراث الثقافي المبني بالطوب الذي تم إنشاؤه حديثا والذي سيتم تنصيبه قريبا بتيميمون بولاية أدرار. وسينشط عشرة مهندسين معماريين ومختصون جزائريون وأجانب سلسلة من المحاضرات حول بناء وهندسة الأرض، ويتضمن برنامج المهرجان جانبا خاصا بالورشات لتعليم المبادئ الأولى لتقنيات البناء بالمواد الترابية ينشطها مختصون في البستنة من المدرسة متعددة التقنيات في الهندسة والعمران، كما أوضحت محافظة المهرجان أن هذه الورشات تتلقى يوميا 120 طالبا من المدرسة متعددة التقنيات في الهندسة والعمران ومن جميع أقسام الهندسة المعمارية والهندسة المدنية عبر الوطن التي تعتبر هدف هذا المهرجان. وسينشط 13 مهندسا معماريا جزائريا وأجنبيا أربع ورشات على مستوى الجامعة تخصص لتقنيات البناء بالطوب (التربة الطينية) والأقواس والأقبية والقباب والكتل الأرضية المضغوطة والطلاء الطيني، أما الجانب الخاص بالمحاضرات فسيتناول نفس تقنيات البناء مع التطرق إلى إشكالية الحفاظ على التراث المشيد بالطوب وترقية الهندسات المعاصرة من الطين. من جانب آخر، سيقدم كل من كمال ومجيد يحياوي وعبد العزيز باشا وعمار الوناس تجربة جزائرية جديدة في البناء بالطوب توجد في طور التجسيد بتمنراست مع الأخذ بعين الاعتبار الأحكام القانونية الجزائرية في مجال البناء بالطوب. وبالتوازي مع هذه الطبعة الأولى سينظم معرض “من تراب وطين” الذي تم في إطار تظاهرة “تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية 2011” وذلك برياض الفتح بالجزائر العاصمة من 18 نوفمبر إلى 17 ديسمبر المقبل. في نفس السياق، أكدت ياسمين تركي أن المهرجان الذي يعتبر مناسبة للمعرفة والتعلم سيعكف على النقطتين المتعلقتين بالحالة “المزرية” للتراث الجزائري المشيد بالمواد المحلية الطينية لا سيما تخلي السكان المحليين عن تلك المباني وغياب التكوين بالنسبة للمهندسين المعماريين في تقنيات البناء التقليدي. وأضافت المتحدثة أنه لا يمكن “الحفاظ على المهارات دون الاستمرار في البناء حسب تلك التقنيات” ومن ثم فإن دور المعرض يتمثل في إبراز “مزايا تلك التقنيات في بناءات حديثة”، مضيفة أن الجزائر لم تستعمل مواد صناعية إلا منذ 50 سنة وأنه من الممكن اليوم بناء منشآت عمومية حديثة بالطوب الطيني. وتابعت محافظة المهرجان تقول أن استغلال مهارات الماضي التي تستجيب لسياق واحتياجات ذلك الزمان والمكان من أجل “البناء في وقتنا الحاضر وإعادة تثمين تقنيات البناء بالطوب الترابي” سيكون من أهداف الإستراتيجية الوزارية التي تأمل كذلك في “إشراك قطاعي التربية والتكوين المهني”. تعتبر العمارة بالطين كنزا له منافع كثيرة والبناء بالطين هو أكثر من تقنية لكونه ينم عن رؤية تحترم الإنسان وبيئته في الوقت نفسه، وتستجيب لمتطلبات التنمية المستدامة بشكل كامل، ويمكن أن تضطلع العمارة بالطين بعدة أنماط من البناء حتى في العلو مثلما تشهد على ذلك أولى ناطحات السحاب في تاريخ البشرية التي بنيت في مدينة شبام في اليمن. وبالإضافة إلى مزاياها الاقتصادية والتقنية، تتيح العمارة بالطين إمكانيات جمالية جد متنوعة، لذلك يسعى المهرجان لترقية التراث الخاص بالتقنية لتستجيب لحاجيات ترميم المعالم الأثرية، وإدراجها في مسعى ثقافي شامل.