لازال الاحتقان سيد الموقف في الساحة المصرية ولا شيء يوحي بانفراج أزمة ما انفكت تتعقد من يوم لآخر وسط مواقف أطرافها المتشنجة بلغت حد القطيعة. واصلت المعارضة والرئاسة المصرية في صراعهما المحتدم انتهاج سياسة الرد ورد الفعل، لكن بوتيرة تصعيد أكبر ضمن قبضة لا يريد كل طرف إظهار ضعفه أمام خصمه من منطلق أن نتيجة الصراع ستنبني عليها ماهية النظام المصري القادم. وفي رد فعل على المظاهرات التي دعت إليها حركة الإخوان المسلمين ومنع أنصارها قضاة المحكمة الدستورية العليا من النظر في قضية القرارات الدستورية، التي خول الرئيس مرسي لنفسه من خلالها صلاحيات واسعة رأت فيها المعارضة العلمانية أنها تقويض للممارسة الديمقراطية وحرية القضاء في البلاد. وفي محاولة منهم لإبطال هذه الصلاحيات، قرر قضاة المحكمة، الذين وصفوا أحداث أمس ب "اليوم الأسود في تاريخ العدالة المصرية" الدخول في إضراب مفتوح إلى غاية انتهاء ما أسموه "الضغوط البسيكولوجية والمادية" الممارسة عليهم، مستنكرين "عمليات الاغتيال النفسي للقضاة". وكان مئات الإسلاميين قد تظاهروا، أمس، أمام مقر المحكمة الدستورية العليا بالعاصمة القاهرة لمنع قضاتها ال 19 من دخول المقر في يوم كان ينتظر أن يعقدوا فيه جلسة خاصة طارئة للنظر في مدى دستورية قرارات الرئيس الأخيرة، التي كانت بمثابة فتيل الأزمة الراهنة في مصر. وفي خضم مواقف العداء المعلن بين فرقاء الأزمة المصرية، اتضح أن الرئيس المصري بقي المهاجم في كل مرة عندما أراد منح نفسه وسائل تنفيذ سياسته وتنفيذ برنامجه الانتخابي في وقت بقيت فيه المعارضة في موقع دفاعي قد يجعلها تخسر في النهاية معركة لها علاقة مباشرة بطبيعة النظام السياسي، الذي يريد كل طرف أن يسود في مصر. وقد كان لمصادقة الرئيس مرسي على مسودة الدستور الجديد أول أمس بداية اشتداد القبضة بين الجانبين وراح كل واحد يلعب أوراقه لإفشال خطة الآخر ودفع ذلك بالرئيس إلى استباق خصومه برمي الصراع للشارع عندما حدد منتصف الشهر الجاري لعرض المسودة على استفتاء شعبي للمصادقة عليها. ويكون الرئيس مرسي من خلال هذا الإجراء قد أراد تحكيم الشارع المصري من أجل الحصول على تزكية شعبية ستكون بمثابة ورقة سيشهرها في وجه خصومه، بل وإسكاتهم بصفة نهائية مادام الشعب قد قال كلمته ضمن حكم نهائي يجب أن يحترم من طرف الجميع. ويبدو أن الرئيس المصري متأكد من أن نص مسودة الدستور ستحظى بتأييد الغالبية العظمى للشعب المصري ولذلك ألقى بها إلى أوساط شارع متململ منذ الإطاحة بالنظام السابق ولم يستطع شق طريقه على سكة إصلاحات سياسية قد تنتهي إلى تحسين مستوى معيشته على اعتبار أن خروجه إلى الشارع من أجل الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك كانت من أجل تحقيق هذه الغاية ولا شيء غيرها. ويمكن القول في ظل استمرار هذه القبضة إن من يربح معركة "ميادين القاهرة" سيكون سيد مصر القادم دون منازع والمؤكد أن الرئيس مرسي يوجد في وضعية أكثر أريحية من خصومه للظفر بهذه المعركة السياسية الأعنف من نوعها التي يواجهها أول رئيس إخواني يحكم مصر. والمؤكد أيضا أن تاريخ 15 ديسمبر الجاري سيكون تاريخا حاسما في هذه المعركة، لكن شريطة أن يتم الاستفتاء على الدستور وفق المعايير وفي الظروف التي تستدعيها مثل هذه المناسبات الانتخابية.