اختارت الأستاذة يمينة زندي قسم علم النفس وعلوم التربية والأرطوفونيا بجامعة الجزائر «2»، أن تشارك بالملتقى الذي نُظّم مؤخرا حول واقع وطرق الإرشاد في تسيير الصراعات النفسية الإجتماعية بجامعة الجزائر بموضوع «الصراع النفسي الاجتماعي داخل الأسرة وعلاقته بتصور الإنتحار لدى فئة الشباب»، بغية لفت الانتباه والتحذير من العلاقة الموجودة بين الصراع النفسي وتصور الإنتحار لدى هذه الفئة. في بداية مداخلتها، قالت المحاضرة يمينة؛ «يعد الإنتحار ظاهرة إنسانية صاحبت الوجود البشري، ففي جل الجماعات الإنسانية على تغاير حضاراتها، وجد بعض الأفراد الذين يقدمون على الانتحار بصورة معينة، وما يزيد من خطورة هذه الظاهرة، استهدافها لفئة الشباب في المجتمع، كون الانتحار عبارة عن مجموعة من العوامل والصراعات المختلفة التي يتعرض لها الفرد، والتي تقوده إلى اتخاذ القرار بالانتحار كحل وحيد ومناسب. وأردفت قائلة؛ «الجزائر واحدة من الدول المعرضة كل يوم إلى هذا الخطر، بالنظر إلى الصراع المستمر داخل الأسرة، هذه الأخيرة التي من المفروض أنها تعتبر الخلية الأساسية للمجتمع والوحدة التكوينية له، فمن خلالها يستمد الشخص كل قيّمه، مبادئه، أخلاقه، سلوكياته وتصرفاته، إذ تعتبر أول منظمة اجتماعية تتلقى وتوفر له كل متطلبات التنشئة الاجتماعية، لذا نجد أن الأبناء يتأثرون بكل شيء يحيط بهم في أسرهم. وحول الأثر الذي يخلفه الصراع داخل الأسرة، قالت المتحدثة؛ «يعد الصراع داخل الأسرة من العوامل التي تؤثر على حياة الأفراد، خاصة فئة الشباب، فالأسرة التي يسودها الصراع والأنانية، ويسيطر على أفرادها روح القلق، الكراهية، التشاؤم وتغلب عليها عوامل القلق، بالإضافة إلى الأساليب التي يمارسها الآباء في معاملاتهم لأبنائهم، والتي تؤثر في تكوينهم النفسي والاجتماعي، وبالتالي تترك هذه الأساليب أثارا سلبية أو إيجابية في شخصية الأبناء. في تشريحها لظاهرة الإنتحار، قالت الأستاذة يمينة؛ «تعد ظاهرة الانتحار مشكلة اجتماعية من حيث كثرة إقبال الشباب عليها وارتفاع نسبة الأفراد ذوي الكفاءة من المنتحرين، مما يدل على وجود اختلال طارئ وعنيف في العلاقات الاجتماعية والجوانب الثقافية، وما يزيد من خطورة هذه الظاهرة، موقف الأهل الذين يسقطون الآمال على أبنائهم ويأملون تحقيق ما لم يتمكنوا من تحقيقه من خلالهم، إذ توصلت، تقول دراسة العالم «ريشمان»، إلى أن العلاقات السيئة بين الوالدين، والتي تكثر فيها المشاحنات والمشاجرات الناجمة عن سوء التفاهم، غالبا ما تقود الشباب إلى بناء تصور للانتحار. تعتقد الأستاذة يمينة أن الصراع الأسري من أهم العوامل التي تبعث على الانتحار لدى الشباب، إذ أن المشاجرات، المشاعر السلبية وانعدام الإتصال داخل الأسرة، بالإضافة إلى الصراع الموجود بين جيلين؛ جيل من الآباء وآخر من الأبناء، واختلاف اتجاهاتهم، مع البحث عن الإستقلالية، كل هذا يولد مشاعر القلق والكراهية، وبالتالي تبدأ بعض المشاعر والأفكار السيئة في الظهور لدى الشباب كتصورهم للانتحار. ولإثراء محاضرتها، طرحت الأستاذة يمينة الإشكالية التالية: هل هناك علاقة دالة بين الصراع النفسي والاجتماعي داخل الأسرة، ودرجة تصور الإنتحار لدى الشباب؟ وهل من فروق دالة إحصائيا بين الذكور والإناث في درجة تصور الإنتحار؟ وهل هناك علاقة دالة بين الصراع النفسي والاجتماعي داخل الأسرة ودرجة تصور الإنتحار لدى الشباب؟قدمت المحاضرة من خلال دارستها الميدانية التي انصبت على 118 شابا وشابة تم اختيارهم عشوائيا، بعض الفرضيات التي تجيب مبدئيا على تساؤلاتها، حيث قالت: حقيقة هناك فروق دالة إحصائيا بين الذكور والإناث في درجة تصور الإنتحار، كما توجد علاقة طردية دالة إحصائيا بين الصراع النفسي داخل الأسرة ودرجة تصور الإنتحار لدى فئة الشباب، فقد أشارت تضيف المتحدثة نتائج الدراسة إلى وجود فروق جوهرية بين الذكور والإناث في درجة تصورهم للإنتحار، وهو ما يتوافق مع دراسات قام بها بعض الأساتذة، على غرار دراسة قامت بها الأستاذة «لعقاب ملكية» في (2009) في منطقة القبائل، حيث توصلت إلى أن الذكور أكثر إقبالا على الانتحار من الإناث، هذا ما يفسر درجة تصورهم للانتحار قبل الإقبال عليه. استخلصت الأساتذة يمينة من خلال دراستها، أنه كلما كان هناك صراع نفسي داخل الأسرة، كانت درجة تصور الإنتحار كبيرة لدى فئة الشباب، ومن الناحية النظرية، يسلم المنشغلون بالطب النفسي والصحة النفسية على حد سواء بمضار تعرض الفرد للصراع النفسي، بالنظر إلى العواقب المرضية التي يمكن أن تترتب على مثل هذا الإحساس الذي ينمّيه الواقع الذي نعيش فيه، والذي لا يتوافق دائمًا مع رغبات الشباب ومستوى طموحهم، ومن ثمة، فالصراع النفسي يتشكل من عدم قدرة الفرد على اختيار اتجاه ما يجعل تصوره للانتحار كخطوة أولى نحو تحقيقه. وتختم المتحدثة محاضرتها قائلة؛ «يتضح من خلال الدراسة، أن الصراع النفسي الاجتماعي حالة انفعالية اجتماعية مؤلمة محمّلة بالتوتر الذي يحاول الفرد قدر طاقته أن يخفف منه، لاسيما إذا كان داخل الأسرة وبين أفرادها، ولهذا توجّب على الأسرة أن تحترم أبناءها وتوفر لهم الجو المناسب للعيش باستقلالية، فبمجرد اعتقاده أن أسرته تحبه، تقدره وتحترم آراءه، وهو ما يعزز من شعوره بالأمن النفسي، السعادة والثقة بالنفس من جملة الإقتراحات التي خرجت بها الأستاذة يمينة، والتي تمنت أن تعتمد كحلول للحد من ظاهرة بناء التصور الانتحاري لدى الشباب، نذكر منها: ضرورة تثقيف الشباب من مخاطر الانتحار وكيفية التغلب على هذا الشعور الذي يجعلهم يتصورون الإنتحار كحل وحيد، مع وجوب العمل على خلق جو من الحوار بين الآباء وأبنائهم الشباب فيما يخص قراراتهم، حتى لا يقدموا على شيء يجعلهم يتصورون الانتحار كحل لمشاكلهم، والعمل أيضا على إظهار موقف الدين من ظاهرة الانتحار كونها محرمة، وأخيرا ضرورة إنشاء مراكز نفسية متخصصة لمساعدة الشباب، بتقديم الإستشارات النفسية الضرورية.