أكد الدكتور محمد يوسفي رئيس النقابة الوطنية للأطباء الأخصائيين في الصحة العمومية في حديث مع “المساء”، على وجوب تحسين وتطوير مستوى التكفل بالإستعجالات الطبية الجراحية، من خلال تطوير التأطير البشري واقتناء التجهيزات اللازمة ومواكبة المستجدات العلمية والطبية الحاصلة في العالم. كما تحدث عن ضرورة الحرص على أن تبقى غرف العمليات بالمؤسسات الإستشفائية على جاهزية تامة تحسبا للحالات الإستعجالية وترقية تنظيم مصالح الإستعجالات بالمصالح الأخرى، من حيث توفرها على المستلزمات الضرورية والتأطير الكافي والمؤهل لأداء دورها، وبالتالي الإنقاص من حدة الضغط على المستشفيات. في رأيكم، إلى أي مدى تظهر أهمية التكوين العلمي بالنظر إلى خدمات التكنولوجيا الحديثة التي بإمكانها تقديم سيل من المعلومات الحديثة؟ التكوين حتمية أساسية لكل طبيب وأخصائي تقتضي أن يكون على علم بكل المستجدات العلمية بما يؤثر بصفة إيجابية على المريض نفسه، كما أن هذا إيجابي جدا على الممارس الأخصائي من القطاعين العام والخاص، ولتبادل الخبرات والمعلومات في مجال التكفل الجدي بالحالات المرضية. وهذا الملف في الحقيقة، من واجبات وزارة الصحة التي ندعوها لإعادة النظر فيه بجدية كبيرة حتى يتم تنظيمه، وبالتالي تحقيق استفادة الجميع، وهذا من النقائص الموجودة في القطاع، علما أن التدرج في المسار المهني لمهني الصحة، ومنهم أخصائيو الصحة العمومية، يمر عبر مسابقات تعتمد أساسا على مدى مشاركته في مثل هذه الأيام التكوينية، ولذلك فإن هذا النقص تتداركه بعض الجمعيات العلمية الخاصة ونقابات تقوم بهذا الدور لسد الفراغ، في انتظار تحسّن الأمور. وكما قلنا، نحن كنقابة نملك برنامجا علميا تكوينيا على مدار السنة، خلافا لبعض الجمعيات التي تحوز مثلا بلقاء وطني واحد في السنة، ويكون عادة بالمدن الكبرى، غير أن نقابتنا تسعى لتعميم الفائدة على كل مناطق الوطن، بتنظيمها لعدة لقاءات علمية، ويتم في كل مرة اختيار موضوع محدد مثلما هو الشأن بالنسبة للقائنا هذا الذي اختير له موضوع الإستعجالات الطبية الجراحية، بمناسبة الأيام الوطنية السابعة للاستعجالات الطبية الجراحية لمنطقة الوسط، والتي تأتي ضمن البرنامج العلمي لسنة 2012، هذه الأيام العلمية جاءت بعد تنظيم الأيام الوطنية السادسة في 25 و26 سبتمبر 2012 في قسنطينة، وبصدد تنظيم الأيام الوطنية الثامنة خلال الشهر الجاري بغرب الوطن، فبالموازاة مع النشاط النقابي الذي نرفعه للدفاع عن الحقوق المادية والمعنوية للممارسين الأخصائيين للصحة العمومية، فإن هناك شقا آخر للنقابة يندرج ضمن التكوين المتواصل للموارد البشرية، أمام الفراغ الكبير المسجل في الإطار من طرف الوصاية، كما أننا نمثل النقابة الوحيدة التي تتكفل بإجراء أنشطة مماثلة في كل جهات الوطن، للسماح لكل الأطباء بتجديد معلوماتهم وتبادل الخبرات، أما الحديث عن التكنولوجيات الحديثة، فيقتصر على تقديم ملخصات الدراسات المتخصصة دون تحليل أو نقاش، وهو هدف الأيام العلمية المتخصصة.
وهل لكم أن تحدثونا عن واقع الإستعجالات في الجزائر عموما، ولماذا يتم تقديم صورة سوداوية عنها في كل مرة؟ الإستعجالات الطبية الجراحية، في الحقيقة، موضوع حساس جدا في الصحة العمومية، إنه يمثل أولوية الأولويات في منظومة الصحة العمومية، كونه الواجهة الحقيقية لهذه المنظومة، إذا علمنا أن أي مريض يطلب العلاج يتوجه مباشرة نحو مصلحة الإستعجالات بالمؤسسات الإستشفائية، ومن حقه أن يجد العلاج المناسب لحالته المرضية، أي توفر التجهيزات والوسائل اللازمة بهذه المصالح، ولكن للأسف، نحن بعيدون عن تحقيق ذلك لأسباب عدة، يأتي على رأسها انعدام التسيير الملائم، وللأسف، منظومتنا الصحية تفتقر حقيقة لسياسة تسيير عقلانية، ودليله الفوضى الكبيرة التي تطبع ملفات الصحة عموما، رغم وجود كفاءات بشرية ومادية يشهد لها. والفوضى نقصد بها عدم التوزيع العقلاني للموارد البشرية في كل جهات الوطن، إذ يبقى يسجل إلى اليوم نقصا فادحا في الأطباء الأخصائيين في منطقة الجنوب، وهذا غير مقبول، كما أن فاتورة الدواء تشير إلى 2 ملياري دولار، بالمقابل، شح الأدوية يبقى موجودا وبحدة في المستشفيات، إذن هناك بعض الإختلالات المسجلة هنا وهناك، ولكنها ذات تأثير كبير على التسيير الحسن لملفات الصحة، ومنها الإستعجالات الطبية الجراحية. وبالعودة لموضوع اللقاء العلمي هذا، فقد ركزنا أكثر على حالات الإستعجالات ذات التدخل المتعدد، بمعنى التكفل بحالة استعجالية بسبب حادث ما، وأصيبت بعدة إصابات تتطلب عدة تدخلات، سواء طبية أو جراحة القلب أو حالة مريض بالسكري دخل في غيبوبة بسبب مضاعفات قلبية أو غيرها، وقد طرحت معظم التدخلات إشكالية انعدام التكفل في عين المكان، ويظهر ذلك مثلا بسبب تأخر نقل المصاب إلى مصالح الإستعجالات من جهة، وغياب التجهيزات اللازمة في مصالح الصحة الجوارية، وحتى بمصالح المؤسسات الإستشفائية ببعض جهات الوطن، أو حتى غياب مصالح إستعجالات متخصصة، مثل استعجالات جراحة الأعصاب، فهي بعض المشاكل الممكن رفعها في سياق الحديث، ولكن نشير إلى أنه من الممكن جدا تفاديها أو على الأقل الإنقاص من حدتها بالتنظيم والتسيير العقلانيين للموارد. أما الشطر الثاني من السؤال، وهو المتعلق بالصورة السوداوية للاستعجالات، فإن السبب يعود بالدرجة الأولى إلى سوء الخدمات الطبية المقدمة حاليا بتلك المصالح التي لا تتوفر على الوسائل اللازمة، من أجل الكشف عن المرض والعمل على تخفيفه أو علاجه، في وقت كان من المفترض أن تكون مصالح الإستعجالات الجديدة في خدمة المواطن، خاصة وأن الأرقام تفيد باستقبال الإستعجالات في كل مستشفى ما يفوق 300 مواطن يوميا، كلهم بحاجة إلى الكشف والتحاليل، والأكيد أن انعدام هذا وذاك يقدم صورة سوداء عن هذه المصالح، ولكنا لا يمكن في هذا المقام إغفال الحديث عن أهمية هذه المصالح وما تقدمه من خدمات كبيرة للمرضى والجرحى.
لكن دكتور، ألا يظهر هنا جانب آخر للمعادلة، وهو ثقة المواطن في مصالح الإستعجالات، بالنظر إلى النقص المسجل في العيادات الطبية ومصالح أخرى؟ لا أبدا، إنما النقص يظهر أساسا في تحسيس المواطن بأهمية التفرقة بين المصالح الطبية، وهنا يبرز للإعلام الدور الجوهري في هذا، ولكن الفوضى هي التي تخلط الأمور هنا، لذلك فإننا ندعو دائما إلى تنظيم القطاع بما يخدم المواطن بالدرجة الأولى. ولكن نقر حقيقة بالثقة في المصالح الإستعجالية، وهذا يخلق ضغطا كبيرا على هذه المصالح وعلى الكوادر العاملة بها..
هذا ما يؤكد ما قيل مسبقا عن أن حوالي 80 % من مرضى الإستعجالات الطبية وهميون، أليس كذلك؟ لا أجزم بهذه النسبة حقيقة، ولكنني أوضح أن انعدام الوسائل والتجهيزات الطبية والبشرية اللازمة في المصالح الطبية الجوارية، يجعل المواطن يتوجه نحو مصالح الإستعجالات لفكرة مسبقة بأنها مجهزة للتدخل السريع بهدف إنقاذ الأرواح، وهذا ما نؤكد بشأنه أنه لا بد من تحسيس السلطات العمومية بضرورة توفير الإمكانيات بالمراكز الصحية للتخفيف من الضغط الذي تعرفه المصالح الإستعجالية الطبية والجراحية على السواء.. لذلك لا بد من قلب المعادلة، فالتحسيس هنا لا يقتصر على المواطنين فحسب، وإنما يخص السلطات المعنية أولا، ثم يمكن الحديث عن التفريق بين المصالح، لتبقى الإستشارة على مستوى الهياكل الصحية المخصصة لها، لتفادي أخطاء تشخيص الأمراض من جهة أخرى، والتي هي في الأساس من وظيفة مصالح الصحة الجوارية، وبالتالي الإنقاص من الضغط على المستشفيات، وكذا التكفل بالإستعجالات الكبيرة والخطيرة التي تتميع بين الاستعجالات الأخرى، في الوقت الذي تتسم بالأولوية القصوى، والتي غالبا ما لا يعطى لها الوقت الكافي لإجراء التحاليل والفحوصات اللازمة بسبب العدد الكبير من الحالات المرضية التي تنتظر دورها بمصالح الإستعجالات، حيث نكرر ونقول؛ من المفروض ألا يصلوا لهذه المصالح، ولذلك نقول؛ إنه حان الوقت لترتيب البيت بصفة عقلانية وأكثر تنظيما، خدمة للصحة العمومية.
وما هي الحلول التي ترونها فعالة للتصدي لكل هذه العراقيل؟ الحلول لا تبدو سحرية، وإنما واقعية، ومن الممكن جدا العمل بها وهو التنظيم والتسيير العقلاني الذي يتأتى طبعا باستشارة أهل الاختصاص، فالجزائر اليوم تتوفر على كفاءات وكوادر طبية بمستو عال، يمكنها المساهمة في تنظيم هذا القطاع الحساس جدا، وقبل هذا وذاك، التكفل بالمشاكل المهنية والإجتماعية لمهني الصحة العمومية دون استثناء، وبعدها توفير الإمكانيات اللازمة للتكفل بالحالات المرضية، عندها، لا يمكن إلا أن يكون الممارس الطبي في خدمة المريض والصحة العمومية عموما. ولأن الإستعجالات الطبية تعتبر حقيقة بارومتر التكفل الطبي الفعلي في المنظومة الصحية ككل، فإننا نطالب برد الإعتبار لهذه المصلحة، خاصة وأن الإمكانيات كما قلنا متوفرة.