أُعلن أول أمس بباتنة، عن مشروع تأسيس “مؤسسة الكاتب الروائي الهاشمي سعيداني الثقافية”، بمبادرة من مجموعة الفعاليات الثقافية بالولاية، وذلك على هامش إحياء الذكرى السابعة لرحيل “الهاشمي سعيداني” التي احتضنتها دار الثقافة في باتنة، بمبادرة من الشاعرة الأمازيغية زرفة صحراوي، والتنسيق مع مديرية الثقافة للولاية. المبادرة جاءت إيمانا بالقيمة الفكرية والمعرفية للراحل، وتقديرا للقيمة الحضارية لمفاهيمه ورؤاه وأفكاره ذات الأفق الإستشرافي، والتزاما من المؤسسين بضرورة مؤسسة العمل الثقافي والمساهمة في ترسيخ قيم الفكر العقلاني في أبعاده الإنسانية المنفتحة. وستعمل المؤسسة، حسب الدكتور عباس من (جامعة الجزائر)، على الاهتمام بالإنتاج الثقافي للراحل، وتنظيم ندوات لمناقشة فكره، وتنظيم لقاءات تؤصل لحوار ثقافي وإنساني بهدف ترسيخ ثقافة الإنفتاح على الإرث الحضاري الإنساني وإحداث جائزة فكرية مغاربية في الرواية في حجم قيمة الفقيد. وتضمن برنامج هذا اللقاء تنشيط مداخلات حول الأعمال الأدبية للفقيد، إضافة لمرثية أمازيغية لروح الفقيد، للشاعرة الأمازيغية زرفة صحراوي رفقة الشاعر الجمعي أمعجوج، كما شكلت المناسبة، فرصة للإستماع لشهادات رفقاء ومعارف الكاتب التي ضمنوها سيرة المرحوم الذي وصفوه بالكاتب الفذ المتفتح على الآداب والثقافة، المعتكف في محراب الآداب الذي عاش بالحرف يعزف على سيمفونية الحياة، يحرك الإبداع في عمق الأحداث، مبتعدا عن كل ما يشوه مشروعه الثقافي الذي سخر له طاقاته. واعتبر الدكتور بلحاج حمزة الذي قدم محاضرة حول “معنى أدب الفقيد، أن رحيل الكاتب الروائي الهاشمي سعيداني، خسارة كبيرة برحيل مثقف من عجينته، ظل يجسد صراع مبدع بداخله هواجس تسكنه نار ملتهبة تشتعل في وجدانه، وعرج على نشاطه بالجاحظية بوصفه فنانا يعالج قضايا فكرية. من جهتها، أبرزت المشرفة العامة على المبادرة زرفة صحرواي، سيرة الروائي ووصفت رحيله بالخسارة الكبيرة، كما استحضرت ذكرياتها مع الفقيد التي قالت في شأنه؛ إنه علمها ما هو جميل ولم يعلمها كيفية رد الجميل، وأضافت تقول: “فليبق جبل الكبرياء قلبه ذهني” ورحل الفقيد الهاشمي سعيداني تاركا وراءه إرثا ثقافيا مهما، من خلال أعماله التي جسدها في مختلف الأجناس الأدبية من الرواية إلى القصة، المسرح والسيرة الذاتية، منها؛ “المضطهدون” (إينال سنة 1984)، “الحاجز” (إينال 1986)، “النظارة المكسورة” (إينال 1986)، و«أوديسية العمل الثقافي في الجزائر”، “عملاق قسنطينة” (رواية بوليسية حازت الجائزة الثانية في سنة 1984، تمجد ملحمة الشعب الجزائري من خلال معارك دارت بين الفدائيين بقسنطينة والجيش الفرنسي في أحداث حقيقية)، وفي العام الموالي، كتب “ستاتشور الحربية” التي حازت الجائزة الأولى، “عوج الطفل” التي حازت على جائزة المرحوم بوضياف سنة 1993، “الانفلات” (1986)، وأعمال أخرى منها ما لم يطبع بعد. في المجال المسرحي، أنجز مونولوج “البومبا”، وفي سلسلة قصص للأطفال “الكلاب الطائرة” (خيالية)، و«شجيرة الأمل” في سلسلة قصص، وهي رواية عاطفية حازت الجائزة الأولى في مسابقة وطنية سنة 1984، ومن مشاريعه رواية “الهارب ونكهة الرماد” وهي مجموعة قصصية نشر بعضها في المجلات، “شريفة والأخريات”، “هوامش على يوميات الربع الأخير من هذا القرن”، “أزمة الدروشة واللصوصية”. تميز مساره المهني بتنوع الوظائف، حيث اشتغل في التعليم ومارس الترجمة وامتهن الصحافة، ثم كلف بالإعلام على مستوى ولاية بباتنة قبل أن يتولى إدارة دار الثقافة بباتنة مدة 14 سنة، استطاع خلالها أن يجعل منها قبلة للمثقفين والمبدعين من جامعيين، مسرحيين، رسامين، كتاب وصحفيين، قبل أن يعود لمنصبه الأصلي كمساعد إداري رئيسي بإحدى مصالح مقر ولاية باتنة حاملا هموم مثقف، وكانت “المساء” قد زارته في مكتبه قبل وفاته بأشهر قليلة ولازلنا نحتفظ بآخر كلماته؛ “نحن ننتج ثقافة لأجيال يجب تسييرها ونمسي لنزعة إنسانية عميقة تمجد التحرر”. والتسامح والعدالة لمواجهة ذاكرة النسيان للتأكيد على الفعل الإبداعي”، واسترجع ذكرياته مع الجريدة وقتها، والتي يحفظ عنها الكثير، وعن مؤسسيها وأقلامها الجادة وخيرة الصحفيين الذين تخرجوا منها، وكان يوليها كل الإحترام والتقدير بوصفها مؤسسة إعلامية ساهمت كثيرا في بعث النشاط الثقافي. كان الرجل في آخر أيامه قد وضع اللمسات الأخيرة لمذكراته الشخصية، وهي عمل يحمل الكثير من الصور الفنية، وبفتح نوافذ شيقة على جوانب مختلفة للعلاقات الاجتماعية في المجتمع الجزائري.. ومن آخر إنجازاته، مشاركته في سنة الجزائر بفرنسا بدليل سياحي عن ولاية باتنة ومنطقة الأوراس، وحصوله على جائزة وطنية للقصة التاريخية ضمن مسابقة أدبية من تنظيم وزارة المجاهدين.