يتميز المجتمع القبائلي بإحياء عادات مميزة تختلف من قرية لأخرى، كما نجد منها المتشابهة، لكن بإضفاء لمسات خاصة، والمحافظة على العادات في هذه الأماكن أمر لا يستهان به، لدرجة أنها أصبحت جزءا من حياة العائلات القبائلية، والمشكلة لشخصيتها وطريقة تسيير نمط حياتها، هذه المرة اختارت ”المساء” قرية ثاليوين التابعة لبلدية مقلع، وغاصت في عمق عاداتها الضاربة في عمق التاريخ، والتي لا تزال تحييها بحلول موعدها. على بعد حوالي 30 كلم، تقع بلدية مقلع شرق ولاية تيزي وزو، هذه البلدية التي جمعت بين الجبال والمناظر الطبيعية الجملية، والتي زادها جمالا توافد العائلات على الحقول في جماعات لجمع حبات الزيتون في جو حميمي يفوق الوصف، فأشعة الشمس المتناغمة التي بسطت ذراعيها على السلسة الجبلية المكسوة بالثلوج، شجعت الرجال على رعي الأغنام، وعلى بعد 6 كيلومترات، وقفنا بقرية ثاليوين التي بدت لنا بسيطة، وسكانها أشخاص بسطاء، أدركنا بعد الحديث إليهم أن تلك البساطة تخفي الكثير من الأشياء المميزة والرائعة، وعلى رأسها العادات التي تعتبر كنزا وإرثا أوصى به الأجداد، فظلا عن أنها تمثل جزءا من حياتهم، والتخلي عنها يعني الاستغناء عن حياتهم، حسبما أكده لنا عمي أورمضان 70 سنة، الذي كان جالسا بتاجمعت القرية ببرنوسه الأبيض الذي زاده وقارا، حدثنا عن عادات القرية فقال؛ ”مع حلول الشتاء، تحيي قريتنا عادة تسمى ”ايوجيبان”، حيث يتم التحضير لهذه المناسبة أياما قبل حلولها، ويتم نشر إعلانات بكل القرى المجاورة بغية دعوتها للحضور وتناول الوعدة أو ”تسبيثة”، ففيما تتكفل النساء بتحضير ”اباوون” و«ارذان” مع الكسكس الذي تعرف به المنطقة، حيث يطلق السكان على هذا الطبق تسمية ”اوفثيان” الذي يضاف إليه زيت الزيتون، ويتناوله الضيوف وكل زوار المنطقة، من منحدر منها أو عابر سبيل فقط. ويضيف عمي أورمضان قائلا: ”الغاية من تنظيم هذه الوعدة، هو أن يكون الموسم ناجحا والغلة وفيرة، كما أنها فرصة لإطعام الفقراء والمساكين، حيث تشهد الوعدة إقبالا كبيرا يسوده جو من الحماس والفرحة التي يرتقبها السكان بفارغ الصبر مع حلول الموسم، للخروج في جماعات نحو قرية ثاليوين المحتضنة للحفل. وشدد المتحدث على أن الحفاظ على العادات والاستمرار في إحيائه،ا يبقي البركة والسحر الجذاب وكذا الهبة التي تتميز بها القرى، ونحن حرصنا على الحفاظ عليها ونقلها للأجيال للإطلاع على تراث أجدادهم وماضيهم والعمل على نقلهم بدورهم للأجيال الناشئة، موجها رسالته في الأخير إلى الشباب الذي حثه على ضرورة التشبث بالأصالة والعادات مهما فرضته الحياة العصرية من تغيرات. وختم المتحدث كلامه قائلا؛ ”إحياء العادات القديمة هو إخلاص للأجداد”. ونحن نغادر القرية، رأينا صورة أخرى تطبع حياة القريوين فقط، وهي عودة النساء من الحقول وعلى رؤوسهن كومة من الأغصان، ”ثيسبلين بامان”، و«ثيقشلوين” مملوءة بحبات الزيتون، والأطفال يدورون حولهن كالفراشات، والفرحة مرسومة على وجوههم البريئة، وعلى بعد أمتار منهن، يسير الرجال وراء الأغنام، يتحدثون مع بعضهم البعض كأنهم أسرة واحدة، ليتجه كل واحد نحو منزله، ويعاد المشهد ذاته في اليوم الموالي. هذا، وتجدر الإشارة إلى أن القرية تحيي عادات مختلفة، منها تنظيم وعدة المقام الصالح ”سيدي محند اويحي”، وكذا ”أنزار”، وغيرها من العادات الموروثة التي تسعى العائلات للحفاظ عليها من خلال إحيائها كلما حلت مناسبتها.