في وسط العاصمة ووسط الحي الشعبي العريق باب الوادي، وفي ”حومة” معروفة جدا لدى العام والخاص تعرف ب ”الدلالة”.. وقفت ”المساء” على ظاهرة هي في الحقيقة مرآة عاكسة لمظاهر اجتماعية تثير الاستغراب! بالمكان، وضعت طاولة وعليها كومة من الخبز وإلى جانبه مثلثات أجبان وعلبة كبيرة تحتوي على حبات كثيرة من بيض مسلوق.. الناس والشباب منهم متراصون أمامها يقشرون حبات البيض ويطلون الجبن على الخبز ويأكلون في مكان أقل ما يمكن وصفه به، أنه غير ملائم للأكل. ووضعت إلى جانب البيض والجبن قارورة بلاستيكية بها ما يشبه العصير، وبأم العين رأينا مواطنين حول طاولة الأكل على الهواء الطلق تلك منهمكين في إعداد ساندويتشات الجبن بالبيض المسلوق وبأذهاننا دارت أسئلة كثيرة: ما الذي يجعل الفرد يقبل على استهلاك بيض مسلوق وجبن يوضع بقطعة خبز وضعت على طاولة بقلب سوق شعبي وصلت فيه درجات النظافة إلى أدنى مستوياتها؟ هل لسعر تلك ”الوجبة” البخس دخل في الموضوع؟ أم لكون الأمر غير مستغرب بما أن المحيط الاجتماعي يسمح بمثل هذه الظواهر من منطلق انه ”اللّي ما يقتل يْسمّن”؟! أو ربما لأن منطق البعض، بمن فيهم التجار، يقتضي بأن ”المنتوج المنزلي” أفضل بكثير من البيتزا و«الفريت أوملات” وبالتالي فإن طاولة بيض مسلوق وجبن قد تكون أحسن بكثير من هذه أو تلك.. قد لا يبدو هذا الأمر غريبا أيضا في المخيلة الجزائرية ”العبقرية”، فقد سبق لنا وأن وقفنا بالسوق الشعبي لساحة الشهداء على طاولات لبيع البوراك وما على الشاري إلا اختيار الحشو الذي يعرضه البائع في علب مختلفة، فهو إما بطاطا أو تونة أو جمبري وغيره وطبعا يُحضر على الهواء مباشرة وبأسعار تختلف باختلاف حشو البوراك! كما وقفنا كذلك بنفس السوق على طاولة أخرى يعرض صاحبها أنواعا من العصائر الطبيعية: فواكه موسمية مختلفة وماء وقطع سكر أمام خلاط كهربائي وما على الزبون سوى اختيار نوع النكهة أي نوع الفاكهة المرغوب شرب عصيرها ويا الله! صدق المثل الشعبي القائل ”عيش تشوف”، فقد نقف مستقبلا على ظواهر أخرى تجيد بها المخيلة الجزائرية في استقطاب بطون الجزائريين...