يعتبر إيفاز معطوب من بين المبدعين الوحيدين الذين يمارسون فن التحريك بتقنية ثلاثية الأبعاد في الجزائر، حيث أسس رفقة أصدقائه شركة متخصصة في هذا المجال تحاول تجسيد مشاريعهم، وتكوين محبين لهذا الفن، “المساء” واهتماما منها بهذا الفن الحديث في الجزائر، التقت بالمخرج ومصمم الشخصيات الغرافية في عالم التحريك بتقنية ثلاثية الأبعاد، إيفاز معطوب، فكان هذا الموضوع. سألنا إيفاز معطوب الفائز بجائزة تشجيعية في المهرجان الدولي للفيلم الأمازيغي سنة 2006، عن أول فيلم قصير للتحريك بتقنية ثلاثية الأبعاد في الجزائر بعنوان “زيم وزام”، وهو لم يتجاوز 23 سنة، إن كانت تلك الخطوة الأولى للتأسيس لمنتوج ثقافي يحمل بصمة محلية في هذا التخصص؟ فأجاب أن ذلك لم يحدث لأنه في تلك الفترة وحتى بعد نيله لجائزة “الزيتونة الذهبية” للفيلم القصير “كنز من كوكب آخر” سنة 2009، لم يكن لفن التحريك انتشار في البلاد ولم يلق التشجيع كي تنفجر مواهب الشباب وتؤكد براعتها في هذا المجال. وأضاف إيفاز أن التلفزيون الجزائري اعتبر أن النفقات اللازمة لإنتاج فيلم عادي وفيلم التحريك هي نفسها، في حين أنه يتطلب ثانيتين لتصوير ثانيتين من مشهد لفيلم سينمائي، وأياما عديدة لتصوير مشهد في نفس التوقيت بالنسبة لأفلام التحريك، وأمام كل العراقيل التي وجدها إيفاز لتحقيق حلمه في بلده، قرر رفقة أخيه ماسينيسا وأصدقاء لهما، التوجه إلى “تونس”. كان اختيار إيفاز لتونس بمحض الصدفة، حيث وضع رفقة ماسينيسا أعمالا لهما على الأنترنت واتصلا بالعديد من شركات الإنتاج العالمية المتخصصة في فن التحريك بتقنية ثلاثية الأبعاد، ولم تجبهم صراحة إلا شركة إنتاج تونسية، فكان قراره الاستقرار بهذا البلد، وفي هذا السياق، قام إيفاز رفقة أخيه ورفاق لهما بإنجاز سلسلة “تونس 2050” الذي لقي نجاحا كبيرا، ويعتبر أول عمل تونسي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وهم الآن بصدد إنجاز الجزء الرابع منه، كما أصبح للفريق سمعة دولية، وفي هذا يقول إيفاز: “عملنا في تونس، اكسبنا صيتا دوليا، حيث أخرجنا خمس حلقات من فيلم “قارفيلد” لموسمه الثالث، وشاركنا في رسوم لديزني شانيل، وهو ما اعتبرته تحديا كبيرا، كما شعرت بسعادة بالغة إثر تمكننا من تجسيده على أرض الواقع”. لكن كيف كانت العودة إلى الجزائر وتأسيس شركة إنتاج أفلام التحريك بتقنية ثلاثية الأبعاد التي تعتبر الأولى المتخصصة في هذا المجال في الجزائر؟ يجيب إيفاز أن النظرة لهذا النوع من الأفلام تغيرت في الجزائر، ولاح أفق فرص العمل ولو من بعيد، ولهذا قمنا بتأسيس شركة إنتاج في أفلام التحريك بتقنية ثلاثية الأبعاد، آملين مستقبلا زاهرا لهذا الفن”. ونما حب الرسوم المتحركة عند إيفاز منذ طفولته، وزاد تعلقا بها أيام الثانوية، وبعد تحصله رفقة أخيه ماسينيسا على جهاز كمبيوتر، أدركا معا أنه باستطاعتهما إنجاز رسوم متحركة بجهاز الإعلام الآلي، فكانت الانطلاقة في هذا المجال رغم صعوباته، وفي هذا يقول: “تلقينا تربية تقول إن لكل مهنة صعوبات يجب تجاوزها بالجدية والعمل المتواصل”. بالمقابل، تخصص إيفاز وأصحابه في التقنية ثلاثية الأبعاد في مجال الرسوم المتحركة، كان بفعل طاقم الفريق المتخصص في هذا المجال، وفي هذا يضيف: “تعرف الرسوم المتحركة أو سينما التحريك بتقنية ثلاثية الأبعاد رواجا كبيرا، صحيح أننا أنجزنا مشاريع صغيرة بتقنية ثنائية الأبعاد، والتي تعني الرسوم المتحركة الكلاسيكية، إلا أننا لم نستمر فيها بحكم أننا أكثر خبرة في تقنية ثلاثية الأبعاد”. أما عن نجاح سينما التحريك بتقنية ثلاثية الأبعاد عالميا، فقال إيفاز؛ إن ذلك راجع إلى جمهور هذه السينما الذين يعتبر أغلبهم من شريحة الأطفال، حيث يدفعون بأوليائهم للتوجه إلى قاعات السينما لمشاهدة هذه الأعمال، إلى جانب أن مواضيع هذه الأخيرة تمس الجميع؛ صغارا وكبارا، عكس الأفلام الموّجهة للبالغين فقط، والتي تتنوع من أفلام الحركة، الخيال العلمي، الدراما وغيرها. وقدم إيفاز، مثالا عن اقتباس فيلم “عصر الجليد” إلى اللغة الأمازيغية، ليصبح “موتشوشو”، مضيفا أن هذا النوع من الأفلام يحمل مواضيع جامعة وعائلية تمس الجميع وتلقى رواجا في كل دول العالم، أما عن الطفل القابع في أعماق إيفاز فيقول عنه إنه موجود ويحافظ عليه بعناية حتى يفهم شريحة الأطفال ويحاورها، إلا أنه ومع ذلك يحمل أيضا جانبا آخر عن “عالم الكبار”، يتمثل في الجدية والعمل اليومي حتى يتمكن من الوصول إلى الهدف المتمثل في لمس شعور المتفرجين ودفعه إلى الضحك وحتى إلى البكاء”. وقال إيفاز إنه لحد الساعة لم يقم مع رفاقه وأخيه في شركة الإنتاج الخاصة بهم بتجسيد أي مشروع في الجزائر، إلا أنه يعتقد أن الأمور ستتغيّر مع تغيّر العقليات، وكذا اهتمام وزارة الثقافة بالشباب، وفي هذا الصدد، تحدث عن مشروع مع الشركات الأجنبية بعنوان: “الآنسة زازي” وهو مشروع فرنسي. ولكن ماذا عن المشاريع الجزائرية؟ عن هذا يرد إيفاز أنهم بصدد وضع آخر اللمسات لمشروع فيلم طويل عن سينما التحريك بتقنية ثلاثية الأبعاد، وسيقدمونه قريبا لوزارة الثقافة طلبا للتمويل، والفيلم بعنوان “فيلا 22”، ويتحدث عن بدايات الثورة التحريرية وبالضبط عن اجتماع 22، ومن بعده اجتماع الستة. ودائما عن هذا المشروع، قال إيفاز إن كاتبه صحفي قديم، مضيفا أنه قد يتلقى مساعدة من كاتب ساعد أحد شخصيات اجتماع 22 في كتابة مذكراته، وهذا فيما يخص التحقق من الأحداث التاريخية المذكورة في العمل، خاصة أنها ستقدم للأطفال ليستطرد قوله؛ إن السينما والتلفزيون تلعبان دورا كبيرا في تثقيف الأطفال وتعليمهم التاريخ. وعن اهتمام إيفاز ورفقائه بإنجاز الأفلام السينمائية الكلاسيكية، يجيب بالإيجاب ليشير إلى أن معظم العاملين في شركة إنتاجهم قدموا من عالم الفن السابع، كمدير التصوير، المهتم بالتركيب، المخرج وكاتب السيناريو، مضيفا أن لا أحد تكوّن في تقنية ثلاثية الأبعاد، أما عن التكوين في هذا المجال، فقال إيفاز؛ إن محبيّ هذا الفن يمكن لهم أن يتكوّنوا، داعيا إلى تأسيس مراكز وتخصصات في المعاهد لفن التحريك بتقنية ثلاثية الأبعاد مثلما هو الأمر في تونس، حيث قام بالتدريس في الفروع المتخصصة للجامعات. وتناول إيفاز قضية التمويل، وقال؛ إنها ذاتية لحد الساعة، ويضيف قائلا: بما أن التمويل ذاتي، فمن المستحيل تمويل مشروع فيلم “فيلا 22” لضخامته، وإثر ذلك سنتوجه إلى وزارة الثقافة وربما إلى التلفزيون أيضا لتحقيق هذا الغرض، مع العلم أن مهمة إنتاج هذا الفيلم موكلة لشركة إنتاج أخرى، في المقابل، أكد المتحدث عن أهمية صنع رسوم متحركة بتقنية ثلاثية الأبعاد جزائرية مائة بالمائة، حتى نتمكن من وضع برامج خاصة بنا ومن ثم تصدير ثقافتنا إلى الخارج. أما عن المواضيع المختارة في سينما التحريك “الجزائرية”، فستكون حسب الجهة الموجهة إليها، حيث يقول المتحدث إنها ستكون ثقافية تاريخية في حال وجهتها وزارة الثقافة، وتربوية ترفيهية عندما يموّلها التلفزيون المطالب بتحقيق إيرادات مشاهدة عالية. في إطار آخر، شارك إيفاز معطوب في لجنة تحكيم الطبعة الأخيرة من المهرجان الدولي للشريط المرسوم، وعن مستوى فناني الشريط المرسوم في الجزائر، يقول؛ “أعجبتني ألبومات الجزائريين، أرى أن الشباب الجزائري موهوب جدا، ولكنه لا يجد الفضاءات المناسبة للتعبير عنها، وهذه الوضعية مستمرة منذ عشرين سنة، ومع ذلك لديّ أمل في أن تتحسن الأوضاع قريبا”.