لم يكن أحد يتوقع أن تتم عملية تحرير رهائن تيقنتورين بإن أمناس باحترافية كبيرة أمام صعوبة المهمة التي كانت تنتظر قوات الجيش الوطني الشعبي، كما أن نجاح العملية لم يكن من خلال حل الازمة في ظرف زمني قياسي فحسب بل أيضا بتفادي كارثة حقيقية وتقليص عدد الضحايا إلى أدنى حد ممكن، علما أن تجارب دولية عدة أثبتت أن أي عملية تحرير للرهائن لا يمكن أن تخلو من وقوع ضحايا إلا في حالات نادرة جدا. وقد أثبتت عملية تيقنتورين أن قوات الجيش قد وضعت حدا للغط الذي أثير في العواصمالغربية التي تحفظت على قرار التصدي للارهابيين مباشرة بعد حجز الرهائن، متجاهلة أن أي حدث من هذا النوع والذي يهدد أمن أي دولة لا يستدعي الاستئذان من الدول الاخرى. بل ظهر أن الدول المتحفظة كانت تجهل كفاءة قوات الجيش الذي عايش أصعب الظروف خلال العشرية الحمراء التي عرفتها الجزائر وتمرس في التصدي للجماعات الارهابية وفهم جيدا الذهنية الهمجية التي تروجها، مما يحول دون التفكير في التفاوض معها أو إعطائها المزيد من الفرص التي تستغلها في مواصلة تنفيذ مخططاتها الاجرامية. والتراجع عن هذا التحفظ بعد انتهاء العملية بنجاح، كان بناء على الحصيلة النهائية لعدد الرهائن المحررين سواء كانوا جزائريين أم أجانب وهذا رغم وقوع ضحايا لا يقاس عددهم بما شهدته عمليات تحرير الرهائن في دول كبرى تمتلك من الوسائل والتجربة ما يمكنها من أن تنهي العملية بأقل الخسائر البشرية، علما أن عملية تيقنتورين كانت جد حساسة ومعقدة بشهادة العديد من الخبراء الأمنيين من مختلف الدول.وإذا قارنا هذه العملية بأحداث مماثلة شهدها التاريخ، فإن قوات الجيش تستحق العلامة الكاملة من حيث تقليل حجم الكارثة وهذا رغم محاولات وسائل إعلام غربية تصوير الحادثة بالمأساة، فنماذج التاريخ تغنينا عن هذه التعليقات التي تسعى لتضخيم حصيلة ضحايا الرهائن التي كانت سترتفع لو نجح الارهابيون في الفرار بهم إلى فيافي الصحراء للمساومة بهم أو تصفيتهم دون رحمة في أول فرصة ترفض فيها مطالبهم. وكثيرا ما يصاحب عملية تحرير الرهائن وقوع قتلى وجرحى ولا أدل على ذلك من أزمة رهائن مدرسة بيسلان بأوسيتيا الروسية في سبتمبر 2004، حيث قتل 320 شخصا على الاقل من مجموع 1100 شخص احتجزتهم مجموعة مسلحة، إذ في اليوم الثالث من أيام الحصار اقتحمت القوات الروسية المدرسة باستخدام الدبابات والأسلحة الثقيلة، مما أسفر عن مقتل العدد المذكور من الاشخاص من بينهم 186 طفلا وإصابة المئات بجروح، علما أن النهاية العنيفة لحصار المدرسة في جنوبروسيا بدأها المسلحون من داخل المدرسة حيث كانوا يحملون عبوات ناسفة. ودائما في روسيا أسفرت عملية تحرير رهائن مسرح موسكو في 23 أكتوبر 2002 عن مقتل أكثر من 170 شخصا على الاقل، منهم ما لا يقل عن 129 من الرهائن (من بينهم 9 أجانب)، معظمهم بفعل المادة السامة وقد أدينت روسيا على نطاق واسع لاستخدامها الغاز للاقتحام، ولكن موسكو أصرت على أنها لم يكن لديها مجال للمناورة في مواجهة مقاتلين مدججين بالسلاح على استعداد لقتل أنفسهم وقتل رهائنهم. وفي الصومال فشلت فرنسا في تحرير رهينتها العميل السري دنيس اليكس والذي كانت تحتجزه حركة الشباب الصومالية المسلحة الموالية لتنظيم القاعدة، حيث يشار إلى أن فرنسا قد شنت غارة على منزل في جنوب الصومال بهدف تحرير الرهينة ودارت اشتباكات عنيفة جدا أسفرت عن مقتل عسكريين فرنسيين اثنين وسبعة عشر عنصرا من حركة الشباب الصومالية. ولم تخل حادثة طائرة الايرباص بمطار مارينيان بمرسيليا في 26 ديسمبر 1994 من وقوع ضحايا بعد أن تدخل كومندوس الدرك الفرنسي الذي قام بتحرير الرهائن ممن كانوا على متن الطائرة، حيث انتهت بالقضاء على الخاطفين بعد 54 ساعة من الاحتجاز وسط أجواء هستيرية عايشها الركاب، خاصة بعد تنفيذ الخاطفين لتهديداتهم وتصفية البعض منهم في ظروف غامضة. وفي كولومبيا قتل أربعة رهائن عسكريين في نوفمبر 2011 على أيدى حركة التمرد الرئيسية الكولومبية (فارك)، بعد أكثر من عشر سنوات من الاحتجاز بعد محاولة إنقاذ فاشلة من قوات الجيش الكولومبى. ومن خلال هذه التجارب المذكورة فإن وقوع ضحايا خلال محاولات تحرير الرهائن تكاد تكون حتمية حتى في أكبر الدول من باب محاولة التقليل من الخسائر البشرية وإنهاء هذا النوع من الازمات بأنسب الحلول بالهجوم على الخاطفين، ولذلك يمكن القول أن تجربة تيقنتورين كانت امتحانا لقوات الجيش الوطني الشعبي اجتازته بنجاح بشهادة الخبراء الأمنيين الذين أقروا بأنه لم يكن هناك حل آخر سوى الهجوم على الارهابيين وهو ما ثمنه الرهائن أيضا الذين لم يكونوا يدركون كيف سيكون مصيرهم.