إحتضن النادي الثقافي للإذاعة الوطنية،عيسى مسعودي، أول أمس على هامش الاحتفال بالعيد 18لنشأة الاذاعة الثقافية وكذا توقيع إتفاقية رفع إتاوات الفنانين والمؤلفين بين الإذاعة والديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، ندوة فكرية تحت عنوان: “المذكرة كقيمة مرجعية في كتابة التاريخ”، أدارها محمد عباس ونشطها محمد أرزقي فراد وجيلالي خلاص. وبهذه المناسبة، قال الأستاذ محمد عباس أن الوثيقة تتضمن الحقائق الثابتة بيد أن الشهادة الحية أقل شمولية وموضوعية منها، إلا أن هذه الأخيرة تساعد الباحث في فهم الأحداث التاريخية، مضيفا أن الشهادة المسجلة أو المنقولة ليست غريبة عن تراثنا الذي يتميز بالشفهية . وأشار المتحدث إلى ضرورة توفر الشروط في الرواي ومن بينها النزاهة وسعة الاطلاع، فضلا عن التحلي بقدر من تجارب الحياة، مضيفا أنه للإجابة على مدى أهمية الشهادات الحية في كتابة التاريخ، يجب أن نعتمد على نماذج للشهادات وهي ثلاثة: أولها الشهادة الموّثقة ويكتبها شهود لهم قدر من الثقافة مثل شهادة رضا مالك وحربي. وأضاف المتحدث، أن النموذج الثاني هي الشهادات المسجلة مع قدر أدنى للتوثيق وهو أكثر ما يوجد في السوق، أما النوع الثالث فهو يخص شهادات الأدباء والتي تأتي في قالب قصصي وروائي، مثل شهادة الدبلوماسي محمد سحنون في روايته “الذاكرة الجريحة”. بالمقابل، قال الدكتور أرزقي فراد أن الحديث عن كتابة المذكرات، شيّق بفعل علاقته بالهوية وهذا على أساس أن التاريخ هو العمود الفقري للوطنية والهوية، ليتساءل عن التعريف الدقيق للمذكرة، ويجيب أن هناك أنواع من الكتابات التاريخية وهي الكتابة الأكاديمية والكتابة الرسمية وكتابة المذكرات. واعتبر الأستاذ، أن المذكرات هي نوع من أنواع الكتابة التاريخية والتي تعتمد في سرد الأحداث على السيرة الذاتية، مضيفا أن المذكرات ليست سيرة ذاتية لأن هذه الأخيرة ترتكز أصلا على الجزئيات والتفاصيل لصاحب السيرة، في حين تستعرض المذكرات الأحداث الكبرى التي عاشها كاتب المذكرة. وتساءل فراد أيضا عن زمن ظهور المذكرات، موضحا أنه -حسب المؤرخين- يعود ظهورها إلى الفترة الإغريقية حينما كان العسكر يكتبون عن انتصاراتهم وانكساراتهم، أما في الجزائر فقد ظهرت حسب البعض أيضا مع مذكرات خير الدين بربروس التي كتبها في إسطنبول عن الجزائر وأشرف على كتابتها سيد علي مرادي، تليها مذكرة الأمير عبد القادر التي أملاها على شارل هنري تشرشل، أما عن أشهر مذكرات القرن العشرين فهي لشارل ديغول وتشرشل ونستون، أما المذكرات الجزائرية فذكر مذكرات مالك بن نبي ومصالي الحاج وفرحات عباس وحسين أيت أحمد وغيرها. بالمقابل، ذكر المتحدث خصائص المذكرات فقال: إنها تمثل المادة الخام للمؤرخ ولكنها ليست التاريخ، لأنها تمثل وجهة نظر صانع الحدث أو شاهده فهي تقدم المعلومات والأخبار للمؤرخ وهذا الأخير يقوم بجمعها وفحصها، مشيرا إلى أن كاتب المذكرة عادة ما يكون متقاعدا أو بعيدا عن عمله حتى يتمتع بحرية أكبر تجاه ما يكتبه أي أن هناك مسافة زمنية بين الحادثة التاريخية وكتابة المذكرات، فضلا على غلبة مساحة العقل على العاطفة للمعني. أما الكاتب جيلالي خلاص، فأكد أن الرواية والقصة هما أكبر شاهد على ما يحدث فالروائي يؤرخ للشعوب مثل هنري ميلر الذي كتب 42 قصة ورواية عنه، في حين اعتبر أن الجاحظ في زمانه كان أكبر مؤرخ لمصر، لينتقل إلى رسالة كتبها أبو العلاء المعري لصديقه الذي فقد ابنه الوحيد. وقال خلاص أن أبي العلاء المعري كتب هذه الرسالة تناول فيها مأساة بشرية حدثت للأمازيغ، والبداية بفريقس ملك شمال إفريقيا الذي كان يحكم بعدل وفي يوم من الأيام تعرضت مملكته للغزو فسافر رفقة قبيلته إلى ليبيا فمصر ليواصل طريقه إلى سوريا، حيث الأرض شبيهة بأرضه وهناك يقوم بتوحيد الأطراف المتناحرة في المنطقة ويتغلبون العدو، وتمر سبعة قرون ويحكم المنطقة حفيد فريقس المسمى أمازيغ وتتعرض المنطقة لغزو، فيغادر أمازيغ وقبيلته المكان ويعود إلى شمال إفريقيا حيث يوحدها ويحكمها.