العيش في الريف بكل ما تحمله الكلمة من دلالات اجتماعية، بدأ بمسكن الطوب، وصولا إلى المزرعة المحيطة به، وما تحويها من حيوانات على غرار الأبقار، والماعز، والدجاج..،قد يدفع ببعض النسوة إلى التمسك بمنازلهن، وفضلن الاحتفاظ بطريقة عيشهن التقليدية التي تفوح منها الأصالة، رافضات بذلك البيوت العصرية وما تؤّمنه من رفاهية وراحة. وحول ما يمثله البيت التقليدي للمرأة الريفية، تحدثت”المساء”إلى كل من السيدة لويزة من سكان منطقة تيزي وزو، وأم الخير من قرية سليمانية بولاية تيسمسيلت على هامش المعرض الكبير للفلاحة مؤخرا. تقول السيدة أم الخير آشور حرفية في صناعة الزرابي، وعضو بجمعية الخنساء، في ردها عن سؤالنا حول مدى تمسك المرأة الريفية بقرية سليمانية بمنزلها الريفي”، إن المرأة بولاية تيسمسيلت تحرص كل الحرص على إعادة بعث كل ما هو تقليدي، يكفي فقط الحديث على الزربية الصوفية التي تعرف صناعتها انتعاشا كبيرا، حيث تتفنن النساء بالمناطق الريفية بصناعتها، بنفس الطريقة التقليدية المعتمدة قديما”. وعن المنزل الريفي قالت”لا يخف عليكم إن المرأة بولايتنا وتحديدا بالمناطق الريفية، تساهم بنسبة 90 بالمائة في صناعة منزلها، ولعل هذا ما يجعلها ترتبط به ارتباطا عاطفيا يمنعها من مغادرته، حيث تقوم إلى جانب الرجل بخلط التراب مع التبن اليابس، وبالاعتماد على الحجر، تبني المنزل الذي يغطى سقفه بالحطب والقصب والقرميد، لينتهي دور الرجل وتتكفل المرأة بإتمام الباقي، حيث تتولى بنفسها صنع الأواني الفخارية من الطين على غرار القربة، والبرمة، وتخصص مكانا لنصب منسجها لنسج زرابي مختلفة الألوان والأشكال والأحجام ، بعضها للغطاء، وأخرى للجلوس، ناهيك عن حياكة البرانيس والقشابات”. ورغم قسوة الظروف التي تمر بها المرأة الريفية المقيمة بالبيت التقليدي، خاصة وأن كل الأعمال التي تقوم بها يدوية وتتطلب جهدا عضليا كجلب الحطب للطبخ، والماء للغسيل، غير أنها -تقول أم الخير-”تأبى مغادرته لأن من أهم ميزاته، أنه يؤمّن لها الدفء المطلوب في فصل الشتاء، لأنه في الغالب يتكون من غرفة واحدة يجري فيها الطبخ، والنوم والقيام بمختلف الحرف اليدوية، ويجمع شمل كل أفراد العائلة، وإن كان المنزل كبيرا نوعا ما، يخصص جزء منه لتربية بعض الحيوانات التي تستأنس المرأة بها، وهو في الصيف يؤمن لساكنيه البرودة المطلوبة كونه لا يمتص أشعة الشمس. ضف إلى ذلك، فالمرأة الريفية تعتبر المنزل جزءا منها يبرز عراقتها، وإبداعها ونشاطها الدائم في مجال إعادة إحياء التراث والدفاع عنه، ومن ثمة لا مجال مطلقا لأن تفّرط فيه”.
البيت الريفي مقدس عند المرأة القبائلية تعيش الحاجة (لويزة قارب) التي ناهزت 60 سنة من عمرها ببيتها الريفي الواقع بأعالي جبال القبائل، وتأبى مغادرته، لأنه بالنسبة لها مكان يعكس صورة المرأة القبائلية الريفية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حدثتنا عن حبها الكبير لبيتها فقالت”بنيت منزلي بيدي من الحجر والطين، وجهزته بمختلف الأدوات التقليدية التي صنعتها بنفسي، فأنا أمتهن صناعة الأواني الفخارية مثل ”الجرار” على اختلاف أحجامها، والأواني للأكل والطبخ وغيرها”. وأردفت قائلة :”بحكم إننا نعيش بالمناطق الجبلية ونواجه بعض الظروف الطبيعية القاسية التي تمنعنا من الخروج لجلب المؤونة، نجهز منازلنا بما يسمى ”بأكوفي” وهي عبارة عن خزانات من الطين نصنعها بأنفسنا، ونخبئ بها الحبوب الجافة أي ”العولة” على غرار الفول والشعير والحمص والكرموص”. وما تزال البيوت الريفية بمنطقة القبائل عموما تتميز بخصوصية قد لا تتوفر بالمنازل الريفية الأخرى، حدثتنا عنها الحاجة لويزة قائلة :”لعل ما يميّز منازلنا هي الزرابي مختلفة الألوان التي نصنعها لنزيّن بها جدران منازلنا، كما نعلق بزاوية البيت الدوح الذي نهيئه بطريقة تضمن للرضيع النوم لفترات طويلة لنتمكّن من إنجاز أعمالنا التي لا تنتهي إلا بانتهاء اليوم”. من بين الأنشطة التي تحبها الحاجة لويزة ببيتها، هي تلك الرسوم والرموز القبائلية التي تزين البيت الريفي من الداخل حيث قالت ”بحكم إننا نطبخ داخل البيت بالاعتماد على الحطب، وبقايا الحيوانات بموسم البرد، تكتسب الجدران اللون الأسود. وما إن ينقضي فصل الشتاء، نقوم بإعادة طلاء الجدران والرسم عليها لتتوهج من جديد، وهو تقليد نعبر به عن فرحتنا باستقبال الربيع”. وتختم حديثها إلينا، بالتأكيد أنها لا يمكنها العيش في بيت غير البيت الريفي، مضيفة أنها ساهمت في بنائه، وصنعت كل ما يحتويه، وهو ما يشعرها بالدفء والسكينة وتعتبره ثروة لن تتخلى عنها”.