لا أدري لماذا كلما حملت المصحف آخذ في التثاؤب والنعاس، وما إن أشرع في التلاوة حتى يغمى علي بنوم أعذب ما يكون، والأمر نفسه يحدث لي أثناء درس الجمعة وخطبتيها، فأقطع الرقاب خلفيا لأصبغ الوضوء من جديد.. إغفاءة التلاوة، ونوم خطبتي الجمعة أعذب هدية من الشيطان وأنفسها.. دخلت المسجد يوم الجمعة في الخطبة الثانية حتى لا أنام، غير أن إبليس كان في انتظاري حيث أسندني على عمود في آخر المسجد وأغمض في كل شيء، ورأيت نفسي أتفسح مع الشيطان في أماكن أبعد ما تكون من بيوت الله وكتابه المقدس، كنت أعلم أثناء الحلم أنه إبليس لكنه بدا لي متنكرا في صورة شخص أعرفه ويحمل اسمه وهويته، أوهمني بأنه رفيق العمر، وأننا على موعد، وهو لا يخلف وعده فالوعد عنده – كما ادعى – مقدس خاصة مواعيد المسجد أو تلاوة القرآن.. لا داعي لأن أذكره « أخي « إنني أحضر أحيانا دون موعد، تأكيدا وتقوية للتقارب والالتحام.. قال ذلك ونظر إلي بعينين وديعتين حالمتين، نظرة ربما زادت من جرعة النوم والاستغراق فيه.. طال الحوار بيننا وديا ونحن نسير نحو المجهول، تحفنا مناظر ساحرة لا تتحقق إلا في الأحلام ثم رأيته ينزع عنه قناعا لاصقا، كاشفا عن نفسه! إنه الشبح الذي يلازمني في اليقظة وفي النوم، «سعيد» الذي لم يسعد في حياته يوما ولم يسعد أحدا قط، «سعيد النحس» كما يلقبه رفقاؤه وزملاؤه وجيرانه : يتشاءم منه الصغير والكبير، تهجر الطيور المنطقة عند رؤيته، تنكدس الأشجار أفنانها وتنكمش أوراقها بمجرد مروره قربها حتى قيل أن كفيفا فاقدا للبصر خرج من بيته فسمع حفيف أقدامه عاد إلى بيته ولم يغادرها ثلاثة أيام بلياليها وفقد على إثرها سمعه... رأى صاحبنا مصابا بشلل نصفي فأتم له النصف الثاني، وبات كلما خرج، لزم الناس بيوتهم، والحيوانات مخابئها وجحورها.. «سعيد» يتأبط ذراعي، ومن حين لآخر يربت على كتفي ويتمسح على رأسي وديع جدا، لطيف معي حد الأنوثة اطمأننت له وسكنت، جلسنا في زربية عشب ملونة دافئة ووضعت رأسي على ركبته ونمت « أيضا»، ولم يوقظني من حجره إلا همزة أحد المصلين، كان يمسح لعابي الذي بلل صدري.