تخلصت منذ فترة من التسوق والتبضع للبيت، إذ بعد مجاهدة ومقاومة، أقنعت نفسي بالفكرة، التي يؤمن بها جل أهل المدينة وصرت آخذ مصروف يومي كما يفعل المتحضرون بحساب، اقسمه بدقة لم أعهدها في نفسي على متطلباتي اليومية، التي حذفت من قائمتها نصفها، وشعرت براحة لا أظنها مزيفة بالرغم من الإحساس أحيانا بتناقص رجولتي وربوبيتي على البيت التي كانت إلى عهد قريب لا يتحرك فيها حي إلا بإذني، لا يدخلها ولا يخرج منها شيء إلا بموافقتي، تخلصت من قائمة المشتريات وزحمة الأسواق ولصوصها ورزم الأكياس، وأصوات الباعة، نابت عني في هذه المهمة ربة ظنت المهمة سهلة.. غير أني وبعد أن نمت، واستغرقت في النوم وجدت نفسي غارقا في جلبة الأسواق وفوضاها ونارها، كنت وحدي أسير، لا أرى إلا نفسي، ولا أسمع غير الأصوات... ولما خشيت التيه سألت أمرأة من آلاف النساء المتسوقات، لم أجد رجلا أسأله، أينما وليت وجهي لا أرى غير النساء.. وجهتني إلى الحراش، وولجت سوقا مفتوحة، طفت بكل محلاتها، وبحثت في كل زاوية من زاوياها، لم أعثر على سروال أو حذاء رجالي، لا أثر للملبوسات الرجالية، لا رجل في السوق، لا ذكر، كل المحلات يديرها النساء، كل المبيعات نسائية، البائع والمبيع أنثوي، وأتحدى من يجد قطعة رجالية ولو كانت جوارب، خلت نفسي أنني في حمام نساء، تراجعت وغيرت وجهتي نحو سوق أخرى، وتوجهت إلى ساحة الشهداء، ثم إلى باب الوادي، ثم الأبيار، مسحت كل أسواق العاصمة، وحتى فحصها فلم اعثر على سوق رجالية لأقتني ما أحتاجه لهذا الشتاء البارد، الذي امتد إلى ما لا نهاية.. فكرت فعلا في شراء بعض الملبوسات النسوية وإعادة تفصيلها وتغيير ملامحها لتصير رجالية، لكني عدلت عن ذلك لأن اللون والملمس لا يمكن تغييرهما.. لماذا عدت إلى السوق والتبضع وقد سلمت المهمة إلى صاحبتها، ألم نناقش الأمر وننتهي إلى التوقيع على تسليم المهام؟ والدليل أمامي، فها هم الرجال قد غابوا عن كل حركة واستلم مهامهم نساؤهم، ولسوف يتسلمن وظائفهم ومناصبهم ورواتبهم، وحتى رؤوس قوائمهم. ولما أفقت من النوم وكابوس الأحلام فكرت بيني وبين نفسي في إعادة جدولة المهام.