يعد رياض بوعاش التقني المختص في البناء، أول جزائري حائز على بطاقة فلاح في تربية الحلزون، هذا النشاط الفلاحي الذي بدأ ينتشر بشكل ملفت للانتباه في الآونة الأخيرة نتيجة اهتمام الشباب البطال به، لا سيما وأنه يعود على صاحبه بفائدة كبيرة بعد تصديره إلى الخارج... ”المساء” التقت بالشاب رياض بصالون التشغيل الذي أقيم مؤخرا بقصر المعارض، حيث يُعرض نموذج مصغر لمزرعة حيواناتها عبارة عن حلزونات، وهو ما شد انتباه وفضول الزوار، الذين تقربوا من جناحه للتعرف على نشاطه الذي بدا للبعض غريبا وغير مألوف، في حين راح البعض الآخر من فئة الشباب يسألون رياض عن سبل الاستثمار في مجال تربية الحلزون من خلال إقامة مشروع مماثل. اقتربنا من رياض... وعن قصته مع تربية الحلزون قال ”لم أكن أتصور مطلقا في يوم من الأيام أن أتحول إلى مرب للحلزون، غير أن القدر أحيانا يقودنا إلى بعض الأنشطة التي تبدو لنا غريبة، إلا أنها في حقيقة الأمر ”ناجحة ومربحة”. وأردف ”في الحقيقة أنا متخرج من الجامعة تخصص تقني سامي في البناء، اشتغلت على مستوى ولاية ميلة مسقط رأسي في مجال تخصصي لمدة من الزمن، إلا أني لم أتمكن من مواصلة العمل في مجال البناء بحكم أن تربيتي وأخلاقي المهنية جعلتني في كل مرة أشرف على إدارة مشروع ما، أرفض واحتج على بعض الممارسات غير المهنية التي تحدث بورشات البناء، على غرار التواطؤ الإداري والغش وما إلى ذلك، وأمام شعوري الدائم بعدم الارتياح، قررت ترك العمل في هذا المجال واخترت البطالة رغم أني كنت رب عائلة وفي أمس الحاجة إلى العمل ”. واستطرد قائلا ”في أحد الأيام التقيت بصديق لي صاحب شركة لتصدير المواد الغذائية الفلاحية، وما إن حدثته عما أعانيه من مشاكل بحكم البطالة التي أحلت نفسي عليها مكرها، عرض علي تقديم المساعدة، وقال لي بالحرف الواحد : ما رأيك لو أعرض عليك مشروعا فلاحيا يدر عليك مالا وفيرا، فأجبته على وجه السرعة: وما هو؟ فرد علي انه يتعلق بتربية الحلزون، في تلك الأثناء خيل لي أنه يمزح معي، واعتبرت كلامه نكتة أراد من خلالها أن يخفف عني” ... لم تدع البطالة لرياض أي خيار سوى قبول فكرة صديقه، فقرر خوض التجربة، خاصة وأن صديقه الذي تكون على أيد الإيطاليين الرائدين في مجال تربية الحلزون، كان قد وعده بأن يقدم له كل ما يعرفه في هذا المجال، حيث قال ” تمكن صديقي من إقناعي بالفكرة، خاصة وانه امتهن تصدير الحلزون منذ مدة، وبعد وقوفه على ندرة هذا الحيوان، بحكم أن الأشخاص الذين يتولون جمعه وتقديمه له كمؤسسة معنية بتصديره، لا يملكون خبرة في المجال، إذ يجمعونه بطريقة عشوائية، ما أثر على تكاثره، وبالتالي أضر نقصه بالتوازن الإيكولوجي، كونه يلعب دورا مهما في مجال الحفاظ على التوازن البيئي، الأمر الذي جعله يصر على تكويني”. وعموما، يضيف ”حصلت على تكوين جيد في مجال تربية الحلزون، حيث اطلعت على كل الأمور المطلوبة من حيث جمعه ووضعه بمزارع خاصة للإشراف على تربيته وتكاثره وتسمينه، كما قمت أيضا بتجريب بعض المزارع النموذجية لمعرفة مدى نجاح المشروع بالجزائر على غرار التي أقمتها بكل من ميلة وجيجل، وبعد أن أثبتت نجاحها قررت تبني المشروع ومن هنا كانت الانطلاقة”. كان أول عائق واجهه محدثنا هو افتقاره لرأس المال المطلوب لإنشاء مؤسسة مصغرة تتكفل بتربية الحلزون، حيث قال ” نصحني أصدقائي بالتقرب من أجهزة الدولة التي تدعم مثل هذه المشاريع، على غرار الوكالة الوطنية لدعم وتشغيل الشباب، وهو ما قمت به بالفعل، غير ان المشكل الآخر الذي صادفته هو ان تربية الحلزون غير مدرجة بقائمة النشاطات الفلاحية، باعتبارها نشاطا جديدا بالجزائر، ولأن هذا المشكل سرعان ما حل بإدراجه ضمن النشاطات الفلاحية، كنت أول شاب جزائري يحصل على بطاقة فلاح مرب للحلزون يشرف على مؤسسة مصغرة تتولى تربية هذا الحيوان”.يصف المربي رضا تربية الحلزون بالصعبة والشاقة، كونها تتطلب الإشراف على مراقبة ومتابعة أعداد كبيرة من الحلزونات بمزارع تمتد على مساحات واسعة. وحسب محدثنا فإن عمل مربي الحلزون يبدأ نهاية شهر أكتوبر حيث يخرج الحلزون من سباته، في هذه الأثناء ينبغي ” أن نهيئ له الطعام، وبالتالي يقع على عاتقنا إلى جانب تربية الحلزون، القيام بزرع بعض الأنواع من الخضروات التي يعيش عليها مثل السلطة والكرنب والسلق وبعد ان يتغذى الحلزون تظهر لديه الحاجة للتزاوج، وبحكم أنه يضع أعداد كبيرة من البيض نلزم عندها بتوسيع الحقل، إذ أن الكثافة المثالية للحلزون بالحقل تقتضي ان يكون في كل كيلومتر واحد من 5 إلى 7 كلغ حلزون، ومن ثمة تأتي مرحلة التسمين وبعد أن يدخل الحلزون مع أواخر شهر ماي في السبات مرة ثانية، نقوم بجمعه لتوجيهه الى المؤسسة التي تتولى تهيئته وتصديره نحو إيطاليا تحديدا”. ينصح رضا كل شاب بطال بالاستثمار في كل ما تؤمنه الطبيعة من خيرات، حيث قال ”تعد تربية الحلزون في الجزائر من أنجح الأنشطة الفلاحية، خاصة وأن من يمتهنون هذا النشاط لا يتجاوز عددهم الثلاثة، أنا بميلة ومرب آخر بقسنطينة ومرب ثالث بجيجل”، وعدد فوائد ذلك بقوله ” إلى جانب أنها تدر على صاحبها دخلا وفيرا، فهي تسهم أيضا في إنعاش الاقتصاد الوطني من خلال دعم صادرات الجزائر، خاصة وأن الدولة اليوم تدعو شبابها الى الاستثمار خارج المحروقات”. وختم المربي رياض حديثه بالقول : ”كفانا من الاعتماد الدائم على الاستيراد، ما نحن في حاجة إليه اليوم أمام ما تقدمه مؤسسات الدولة من فرص دعم، الالتفات الى ما تحويه الجزائر من خيرات واستغلاله في خدمة أنفسنا ووطننا”.