رأيت نفسي البارحة فيما يرى النائم، وسط جلسة من الناس والدهشة والحيرة بادية على وجوههم، رجال الأمن بين مد وجزر، وسط زحمة واندفاع نحو اللاشيء، يسائل الناس بعضهم بعضا دون إجابات شافية، هم أمام ظاهرة لم يشهدوا مثلها من قبل ولا سجلها التاريخ في أحداثه.. ظاهرة الفرار هذه جديدة، قال أحدهم، لم أر في حياتي رجلا يخرج من كتاب، فكيف خرج هؤلاء جميعا من دفتر واحد..! عمّت الحيرة الجميع وانتشر الخبر في البلاد وتعداها إلى أمصار أخرى، وخشي الناس من عدوى انتشار الظاهرة...، كان أول الفارين “ لاز “ الطاهر وطار – رحمه الله – ثم باقي أبطال عرس بغل رافضين العيش تحت سيطرة رجل ميت، في أجواء وبيئة عفنة ودار سيئة السمعة بين أراذل القوم وأحطهم، أجبرهم وطار على الخنوع والقبول بوضع لا إنساني ملطخ بكل دنس الحياة، أما الآن وبعد رحيله فلا يثنيهم شيء عن الانعتاق والتخلص مما هم فيه، تمرد كل شخوصه وأبطاله، ورآهم الناس الواجمون على الأرصفة يتسللون من بين طيات كتبه في صورة لم يعتدها البشر من قبل، وما ضاعف خوف الناس خشيتهم من عودة الشهداء، وكان وطار قد وعد عندما كان على قيد الحياة بعودتهم هذا الأسبوع، ثم عمد إلى إبقائهم في طيات كتبه حتى لا يشكلوا حرجا له أو يتسببوا في فتنة... مر بعض الكتاب لا أذكر أسماءهم ولا عناوين رواياتهم أو قصصهم، مروا مزهوين متشفين، ثم ما لبثوا أن رأوا أشباحا تحوم فوق رؤوسهم كالطير الأبابيل، وكانت دهشتهم عظيمة، مروعة عندما تعرفوا على بعض الوجوه المتمردة الهاربة من كتبهم والتي وظفوها ذات يوم وسخروها لإرادتهم وفعلوا بها الأفاعيل وخافوا الفضيحة وكشف المستور، فراحوا هم بدورهم يتوارون عن الأنظار كما كانوا يفعلون دائما، لكن طيف أبطالهم وأشباحهم حاولوا تطويقهم وخنقهم وكشف أسرارهم وشذوذهم، والناس بين مصدق ومكذب لهول الصدمة.. قام الناس باحتضان الأبطال وفسحوا لهم المجال للتخلص من هيمنة المهيمنين وجبروت كتاب لطالما مارسوا طقوسهم ومزاجهم على قصر لا حول لهم ولا قوة، ولما استيقظت من الحلم ترحمت على وطار ودعوت له بالمغفرة.