إدماج الشباب في السياق الاجتماعي يخفف من قلقهم على المستقبل. التحولات الاجتماعية وعلاقتها بظهور القلق على المستقبل لدى الشباب في المجتمع الجزائري، كان عنوان المداخلة التي شاركت بها الدكتورة فتيحة بلعسلة من المدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة، في الملتقى الوطني المنظم مؤخرا بجامعة الجزائر «2»، حيث أوضحت أن الأهمية التي تتمتع بها فئة الشباب في المجتمع تظهر نتيجة ارتفاع معدل هذه الشريحة، وبالتالي كان من المهم تناول موضوع التحولات الاجتماعية المختلفة التي يشهدها هذا المجتمع، بالنظر الى ما يرتب عنها من آثار واضحة في مختلف جوانب الحياة المعاصرة الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية، الفكرية والثقافية، التي تٌحتم على الباحثين الاهتمام بموضوع التحولات الاجتماعية وانعكاساتها السلبية المتنامية على الشباب. انطلقت الدكتورة فتيحة في مداخلتها حول قلق المستقبل لدى الشباب من التساؤلات التالية : ما هو واقع التحولات الاجتماعية في الجزائر؟ وكيف يعيش الشباب الجزائري هذه التحولات؟ وفيما تتمثل انعكاساتها على نفسيته؟ وهل من حل لمساعدة الشباب الجزائري على معايشة التحولات الاجتماعية التي يمر بها المجتمع بأقل الأضرار؟ الإجابة على هذه التساؤلات تتطلب في بداية الأمر، تقول الدكتورة فتيحة، تحديد المقصود من مرحلة الشباب التي يعرفها علماء الاجتماع، بأنها تلك المرحلة التي تبدأ عندما يحاول المجتمع تأهيل الشخص ليحتل مكانة اجتماعية ويؤدي دوره فيها، ومن ثمة فإن مفهوم الشباب يستند إلى المجتمع كإطار مرجعي. وعن المقصود من التحولات الاجتماعية، أضافت « ظاهرة التحول الاجتماعي تحدث في كل مكان وزمان، وهي مجموعة الاختلافات التي تطرأ على المجتمع خلال فترة زمنية محددة، وتحدث بفعل عوامل خارجية وداخلية، وتمس طبيعة ومضمون وتركيب الجماعات والنظام، وكذا العلاقات بين الأفراد والجماعات، وتلك التغيرات التي تحدث في المؤسسات أو التنظيمات أو في الأدوار الاجتماعية. وعن علاقة الشباب بالتحولات الاجتماعية، قالت «نلاحظ أن نشأة شباب اليوم في عصر تعرضت فيه المجتمعات للتحولات الاجتماعية في ظل الحضارة المعاصرة، والتقدم العلمي والتكنولوجي الذي يُميز أنماط الحياة ووسائلها ومتطلباتها، أدى إلى وقوع الشباب فريسة انفصام الشخصية والصراع، ممّا أصابهم بالحيرة والقلق والتيهان، الأمر الذي أفرز مشاكل عديدة نالت من الاستقرار النفسي للشباب، ومنها ظهور ما يصطلح على تعريفه بقلق المستقبل، الذي يقصد به ذلك الانفعال غير السار والشعور بالتهديد وعدم الراحة والاستقرار والإحساس بالتوتر والشدّة والخوف الدائم الذي لا مبرر له من الناحية الموضوعية، والمٌرتبط بالمستقبل والمجهول وحالة من التوجس والغموض والهلع والخشية من تغييرات غير مرغوبة في المستقبل الشخصي البعيد. وحسب المتحدثة، فإن المستقبل بالنسبة للشباب يعتبر مصدرا مهما من مصادر القلق، باعتباره مساحة لتحقيق الرغبات والطموحات، وتحقيق الذات والإمكانيات الكامنة، وظاهرة قلق المستقبل أصبحت واضحة المعالم في مجتمع ملئ بالتغيرات ومشحون بعوامل مجهولة المصير، فهي ظاهرة ترتبط بمجموعة من المتغيرات والعوامل التي تتضافر لتوسع وتزيد من الإحساس بقلق المستقبل. عن علاقة التحولات الاجتماعية بظهور قلق المستقبل لدى الشباب الجزائري، جاء على لسان المتحدثة، أن قلق المستقبل يظهر بفعل عوامل اجتماعية، إذ أن هناك أمورا داخل المجتمع تستثير الخوف من الأيام المقبلة التي ستعمد على تغيير أهداف الفرد الحياتية، لعل من بينها : ضغوط الحياة، طغيان الماديات وأزمة السكن، وما تخلفه أعباء المعيشة، لا سيما في ظل ارتفاع الأسعار، ناهيك عن أزمة البطالة في ظل قلة فرص العمل وقلة الدخل، وأمام كل هذا تنتاب الشباب الجزائري الكثير من الهواجس والضغوط النفسية جراء زخم الأسئلة التي تشغل باله مثل : هل يجد عمل؟ أم تنتظره البطالة؟ هل سيحظى بسكن لائق أم لا؟ هل سيتمكن من تحقيق الأساسيات المادية في حياته؟ هل يمكن له أن يطمح نحوالأفضل أم لا؟ وعليه، تقول محدثتنا أن الشاب في ظل كل هذه المعطيات يواجه تحديات كبيرة نتج عنها شعوره بتعطل أدواره، وعجزه عن إشباع حاجاته وتحقيق ذاته وأحلامه، الأمر الذي يولد لديه الشعور بالإحباط، الخوف، التوتر والنظرة التشاؤمية، مما يوقعه فريسة لقلق المستقبل الذي أصبح يٌلازمه، وهذا طبعا ما أكدته العديد من الدراسات الأجنبية والجزائرية في المجتمع الجزائري. وحول التأثيرات السلبية لقلق المستقبل، قالت : «أوضحت العديد من الدراسات أن اضطرابات قلق المستقبل لها آثار سلبية كبيرة على الشخصية، إذ تؤثر تأثيرا شديدا على فعالية المرء وكفاءته، فقد يتخذ قلق المستقبل صورة اضطرابات في التفكير، وعدم التركيز وسوء الإدراك الاجتماعي، إلى جانب الانطواء والشعور بالوحدة مع انعدام القدرة على تحسين مستوى المعيشة، وعدم القدرة على التخطيط للمستقبل والجمود إلى جانب انخفاض مستوى الشعور بالأمن والطمأنينة». وأضافت أن الشخص القلق «يتصف بالسلبية وعدم الثقة في النفس، والشعور الدائم بالتوتر والانزعاج واضطرابات في التفكير وعدم التركيز وسوء الإدراك الاجتماعي، الأمر الذي يؤدي إلى عدم قدرة الشاب على التخطيط للمستقبل، وقد ينتج عن ذلك فقدانه لتماسكه المعنوي ومن ثمة يصبح عرضة للانهيار العقلي والبدني مع التقوقع داخل إطار الروتين وتدمير نفسيته، فلا يستطيع أن يٌحقق ذاته ويفقد تماسكه المعنوي، باعتبار أن الإنسان يحيا عادة من خلال تطلعه إلى المستقبل المشرق». إذا ما نظرنا الى مجموعة التأثيرات السلبية المترتبة عن شعور الشباب بقلق المستقبل، تقول الدكتورة فتيحة، نقف عند أهمية دراسة التحولات الاجتماعية وأهمية ما قد ينجر عنها من سلبيات تمس كيان المجتمع الجزائري من خلال المساس بفئة الشباب. كان من أهم النتائج التي توصلت إليها الدكتورة فتيحة من خلال مداخلتها، أن الفئة التي شملها التغير الاجتماعي بقوة، فئة الشباب، بالنظر إلى المستجدات التي انعكست على حياتها، ولهذا فلم يعد من الممكن تجاهل مطالب هذه الشريحة ضمن التحولات الاجتماعية، سواء فيما يتعلق بالمشكلات، أو القضايا التي تعانيها وتواجهها، أو ما يتصل بتطلعاتها وآمالها الواسعة من أجل حياة أفضل». وترى المتحدثة أنه لابد من سياسة عامة وواضحة المعالم، تمكن من إدماج شريحة الشباب ضمن السياق الاجتماعي ككل للمجتمع الجزائري، إلى جانب وضع استراتيجية تستهدف حمايتها من التحولات الاجتماعية المفاجئة أو من ما قد ينجر عنها من سلوكات تزيد من أزمة الشباب في المجتمع.