تحركت الدبلوماسية الفرنسية بشكل مكثّف تجاه إفريقيا من أجل تعويض ما فاتها في قارة كانت إلى وقت قريب حكرا عليها ولقوى استعمارية تقليدية، قبل أن تقلب المفاهيم ليصبح الدور الفرنسي مهمشا في فضاء كان يعد عمقا استراتيجيا بالنسبة لها. وتفطّن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى مكانة إفريقيا في حسابات القوى الكبرى المنافسة الأخرى، وهو ما جعله يضعها في أعلى قائمة اهتمامات الدبلوماسية الفرنسية، في مسعى لاستعادة مواطئ أقدام فرنسا في دول إفريقية كانت مستعمرات لها، ولكنها بدأت تخرج شيئا فشيئا من نطاق سيطرتها. وإذا كانت دول مثل الصين والولاياتالمتحدة والهند واليابان أخذت بالعامل الاقتصادي للفوز بحظوة لدى الدول الإفريقية، فإن فرنسا فضلت البوابة الأمنية من أجل كسب هذه الدول والظفر بمزايا وامتيازات اقتصادية لاحقا، وخاصة أن القلاقل الأمنية في كثير من هذه الدول جعلت عواصمها تعمل على توثيق علاقاتها مع باريس من أجل تحييد الخطر الأمني المحدق بها. ولأجل ذلك، فقد دعا الرئيس هولاند الدول الإفريقية إلى مؤتمر قمة نهاية العام الجاري في العاصمة باريس، ظاهره بحث الأوضاع الأمنية في القارة الإفريقية وباطنه تعزيز مكانة فرنسا الاقتصادية في دول مازالت تبحث عن نفسها، ضمن نظام اقتصادي عالمي متغير بوتيرة متسارعة لم تتمكن من التكيف مع مقتضياتها. وعندما نعلم أن المقاربة الإرهابية أصبحت أكثر جذبا في القارة الإفريقية، بالنظر إلى ما يحدث في منطقة الساحل ومالي تحديدا، فإن ندوة باريس المنتظر عقدها يومي6 و7 ديسمبر القادم ستحظى باهتمام كبير، على اعتبار أن التنظيمات الإرهابية لم تعد تعترف بالحدود وهي تتكيف مع المستجدات بما يوسع رقعة انتشارها وقدرتها على البقاء. وفهمت فرنسا أن استعادة دورها الإفريقي ومكانتها في قارة تعتبرها عمقا استراتيجيا يمر حتما على فكرة التخويف المفرط من ظاهرة ما انفكت تتفاقم، وزادتها أحداث ليبيا ومالي والنيجر توسعا. ولأن هذه الدول غير مهيأة لمواجهة ظاهرة لم تعهدها وهي عاجزة على التصدي لها، فإنها لن تجد ملاذا آخر من غير باريس لدعمها وإسنادها، في مهمة عجزت قوى كبرى على حسم أمرها. وأكدت الأزمة الأمنية في مالي وانتشار التنظيمات الإرهابية في شماله، على نجاعة المقاربة الفرنسية، عندما تمكنت باريس من العودة وتكريس تواجدها في هذا البلد الذي يبقى بلدا محوريا في هذه المنطقة وكل إفريقيا. وعندما نعلم أن توثيق العلاقات الأمنية بين فرنسا والدول التي ستشارك في قمة باريس، يعني بطريقة تلقائية إقامة جسور لتعاون مختلف الأوجه، وسيكون الاقتصاد نقطته المحورية لتكون فرنسا قد ضربت عصفورين بحجر واحد. وهي غايتها منذ البداية، لاستعادة دورها الضائع في قارة أصبحت محل تنافس قوى عظمى من الصين إلى الولاياتالمتحدة مرورا بالهند واليابان، ولا تريد فرنسا أن تكون على هامش هذا الصراع بحكم علاقاتها التاريخية مع دول تعرفها ويعرفونها.